كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

وَسَلَّمَ: (لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ مِسْعَرٍ، وَشُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْجُبُهُ عَنْ قِرَاءَةِ القرآن شي إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا أُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ أَحْسَنَ مِنْهُ. وأخرجه ابن ماجة قال: حدثنا محمد ابن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُنَا الْقُرْآنَ وَهُوَ جُنُبٌ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَرَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ مُضْطَجِعًا إِلَى جَنْبِ امْرَأَتِهِ فَقَامَ إِلَى جَارِيَةٍ لَهُ فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا، وَفَزِعَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمْ تَجِدْهُ فِي مَضْجَعِهِ، فَقَامَتْ فَخَرَجَتْ فَرَأَتْهُ عَلَى جَارِيَتِهِ، فَرَجَعَتْ إِلَى الْبَيْتِ فَأَخَذَتِ الشَّفْرَةَ ثُمَّ خَرَجَتْ، وَفَرَغَ فَقَامَ فَلَقِيَهَا تَحْمِلُ الشَّفْرَةَ فَقَالَ مَهْيَمْ «1»؟ قَالَتْ: مَهْيَمْ! لَوْ أَدْرَكْتُكَ حَيْثُ رَأَيْتُكَ لَوَجَأْتُ «2» بَيْنَ كَتِفَيْكَ بِهَذِهِ الشَّفْرَةِ. قَالَ: وَأَيْنَ رَأَيْتِنِي؟ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ عَلَى الْجَارِيَةِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتِنِي، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُنَا الْقُرْآنَ وَهُوَ جُنُبٌ. قَالَتْ: فَاقْرَأْ، [وَكَانَتْ «3» لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، [فقال:
أتانا رسول الله يتلوا كِتَابَهُ ... كَمَا لَاحَ مَشْهُورٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَتَى بِالْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبُهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
فَقَالَتْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ الْبَصَرَ. ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الثالثة عشرة- قوله تعالى: (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، وَالِاغْتِسَالُ مَعْنًى مَعْقُولٌ، وَلَفْظُهُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَعْلُومٌ، يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ إِمْرَارِ الْيَدِ مَعَ الْمَاءِ عَلَى الْمَغْسُولِ، وَلِذَلِكَ فَرَّقَتِ الْعَرَبُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ: غَسَلْتُ الثَّوْبَ، وَبَيْنَ قولهم:
__________
(1). مهيم: كلمة يمانية يستفهم بها، معناها: ما وراءك وما شأنك، وما هذا الذي أرى بك، ونحو هذا من الكلام.
(2). الوجه: الضرب بالسكين ونحوه.
(3). من ج.

الصفحة 209