كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

اللَّيْثِيَّ. وَأَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ مِنْ نَاحِيَةِ قُدَيْدٍ «1» مِمَّا يَلِي السَّاحِلَ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ وسبى [من سبى «2» [النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ وَكَانَ شِعَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ: أَمِتْ أَمِتْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ جَمَعُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادُوهُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَلَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ. فَهَذَا مَا جَاءَ فِي بَدْءِ التَّيَمُّمِ وَالسَّبَبِ فِيهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ آيَةُ التَّيَمُّمِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ، وَهِيَ آيَةُ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ (الْمَائِدَةِ «3»)، أَوِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ (النِّسَاءِ). لَيْسَ التَّيَمُّمُ مَذْكُورًا فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَهُمَا مَدَنِيَّتَانِ. الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَرْضى) الْمَرَضِ عِبَارَةٌ عَنْ خُرُوجِ الْبَدَنِ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ وَالِاعْتِيَادِ، إِلَى الِاعْوِجَاجِ وَالشُّذُوذِ. وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: كَثِيرٍ وَيَسِيرٍ، فَإِذَا كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَخَافُ الْمَوْتَ لِبَرْدِ الْمَاءِ، أَوْ لِلْعِلَّةِ الَّتِي بِهِ، أَوْ يَخَافُ فَوْتَ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، فَهَذَا يَتَيَمَّمُ بِإِجْمَاعٍ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ أَنَّهُ يَتَطَهَّرُ وَإِنْ مَاتَ. وَهَذَا مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «4») وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ). وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) قَالَ: إِذَا كَانَتْ بِالرَّجُلِ الْجِرَاحَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْقُرُوحُ أو الجدري فيجنب فيخاف أن يموت إن اغتسل، تيمم. وعن سعيد بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رُخِّصَ لِلْمَرِيضِ فِي التَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ. وَتَيَمَّمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لَمَّا خَافَ أَنْ يَهْلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُسْلٍ وَلَا إِعَادَةٍ. فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا إِلَّا أَنَّهُ يَخَافُ مَعَهُ حُدُوثَ عِلَّةٍ أَوْ زِيَادَتَهَا أَوْ بُطْءَ بُرْءٍ فَهَؤُلَاءِ يَتَيَمَّمُونَ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فِيمَا حَفِظْتُ. قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ الْبَاجِيُّ فِيهِ خِلَافًا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: مِثْلَ أَنْ يَخَافَ الصَّحِيحُ نَزْلَةً أَوْ حُمَّى، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ يَخَافُ زِيَادَةَ مَرَضٍ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ التَّلَفَ، وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ للمريض إلا إذا خاف التلف،
__________
(1). قديد: موضع بين مكة والمدينة، أو ماء.
(2). في ج. راجع ج 6 ص 80.
(3). في ج. راجع ج 6 ص 80.
(4). راجع ج 12 ص 99

الصفحة 216