كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

الْمَرِيضِ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ الْآيَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ فِي شَرْطِ التَّيَمُّمِ خَرَجَ عَلَى الْأَغْلَبِ فِيمَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ، وَالْحَاضِرُونَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِمْ وُجُودُهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِمْ. فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ مَانِعٌ أَوْ خَافَ فَوَاتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، تَيَمَّمَ الْمُسَافِرُ بِالنَّصِّ، وَالْحَاضِرُ بِالْمَعْنَى. وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ بِالنَّصِّ وَالصَّحِيحُ بِالْمَعْنَى. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَهُ فِي الْحَضَرِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ التَّيَمُّمَ رُخْصَةً لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، كَالْفِطْرِ وَقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُبِحِ التَّيَمُّمَ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ، وَهُمَا الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ، فَلَا دُخُولَ لِلْحَاضِرِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ لِخُرُوجِهِ مِنْ شَرْطِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ الَّذِي مَنَعَهُ جُمْلَةً مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَقَالَ: إِنَّمَا شَرَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا (فَلَمْ يُبِحِ التَّيَمُّمَ لِأَحَدٍ إِلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَوْلَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَا رُوِيَ مِنَ الْأَثَرِ لَكَانَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ صَحِيحًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّيَمُّمَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ مُسَافِرٌ إِذْ خَافَ الْهَلَاكَ إِنِ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ، فَالْمَرِيضُ أَحْرَى بِذَلِكَ. قُلْتُ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ إِذَا خَافَ فَوَاتَ الصَّلَاةِ إِنْ ذَهَبَ إِلَى الْمَاءِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) يَعْنِي الْمُقِيمَ إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ تَيَمَّمَ. نَصَّ عَلَيْهِ الْقُشَيْرِيُّ عَبْدُ الرَّحِيمِ قَالَ: ثُمَّ يُقْطَعُ النَّظَرُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ، لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ عُذْرٌ نَادِرٌ وَفِي الْقَضَاءِ قَوْلَانِ: قُلْتُ: وَهَكَذَا نَصَّ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ تَيَمَّمَ فِي الْحَضَرِ، فَهَلْ يُعِيدُ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَمْ لَا، الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. يُعِيدُ أَبَدًا، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ الْوَلِيدُ عَنْهُ: يَغْتَسِلُ وَإِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْجُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ (بِئْرِ جَمَلٍ «1») فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عليه فلم يرد عليه النبي
__________
(1). بئر جمل: موضع بقرب المدينة.

الصفحة 219