كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ (بِئْرٍ «1»). وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ (ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ وَقَالَ:) إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ. الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- قوله تعالى: (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) الْغَائِطُ أَصْلُهُ مَا انْخَفَضَ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْجَمْعُ الْغِيطَانُ أَوِ الْأَغْوَاطُ، وَبِهِ سُمِّيَ غُوطَةَ دِمَشْقَ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقْصِدُ هَذَا الصِّنْفَ مِنَ الْمَوَاضِعِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا تَسَتُّرًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، ثُمَّ سُمِّيَ الْحَدَثُ الْخَارِجُ مِنَ الْإِنْسَانِ غَائِطًا لِلْمُقَارَنَةِ «2». وَغَاطَ فِي الْأَرْضِ يَغُوطُ إِذَا غَابَ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ: (مِنَ الْغَيْطِ) فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ الْغَيْطُ فَخُفِّفَ، كَهَيِّنٍ وَمَيِّتٍ وَشَبَهِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْغَوْطِ، بِدَلَالَةِ قَوْلِهِمْ تَغَوَّطَ إِذَا أَتَى الْغَائِطَ، فَقُلِبَتْ وَاوُ الْغَوْطِ يَاءً، كَمَا قَالُوا في لا حول لا حيل. و (أَوْ) بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ وَجَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ فَتَيَمَّمُوا فَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلتَّيَمُّمِ عَلَى هَذَا هُوَ الْحَدَثُ لَا الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ. وَالصَّحِيحُ فِي (أَوْ) أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ. فَلِأَوْ مَعْنَاهَا، وَلِلْوَاوِ مَعْنَاهَا. وَهَذَا عِنْدَهُمْ عَلَى الْحَذْفِ، وَالْمَعْنَى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى مَرَضًا لَا تَقْدِرُونَ فِيهِ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ أَوْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا مَاءً وَاحْتَجْتُمْ إِلَى الْمَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ- لَفْظُ (الْغائِطِ) يَجْمَعُ بِالْمَعْنَى جَمِيعَ الْأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ لِلطَّهَارَةِ الصُّغْرَى. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَصْرِهَا، وَأَنْبَلُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، لَا خِلَافَ فِيهَا فِي مَذْهَبِنَا: زَوَالُ الْعَقْلِ، خَارِجٌ مُعْتَادٌ، مُلَامَسَةٌ. وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا خَرَجَ مِنَ الْجَسَدِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَلَا يُرَاعَى الْمَخْرَجُ وَلَا يُعَدُّ اللَّمْسُ. وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ ابن عَبْدِ الْحَكَمِ مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، وَلَا يُرَاعَى الِاعْتِيَادُ، وَيُعَدُّ اللَّمْسُ. وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِإِغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ فعليه الوضوء، واختلفوا
__________
(1). الذي في مسلم: ( ... من نحو بئر جمل) كرواية البخاري.
(2). في ط وز: للمقاربة.

الصفحة 220