كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

في النوم هل حدث كسائر الا حداث؟ أَوْ لَيْسَ بِحَدَثٍ أَوْ مَظِنَّةُ حَدَثٍ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ. الطَّرَفُ الْأَوَّلُ- ذَهَبَ الْمُزَنِيُّ أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ إِلَى أَنَّهُ حَدَثٌ، وَأَنَّ الوضوء يجب بقليله وكثيره كسائر حداث، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ لِقَوْلِهِ: وَلَا يُتَوَضَّأُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذكر دُبُرٍ أَوْ نَوْمٍ. وَمُقْتَضَى حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. رَوَوْهُ جَمِيعًا مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عن زر ابن حُبَيْشٍ فَقَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ فَقُلْتُ: جِئْتُكَ أَسْأَلُكَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، قَالَ: [نَعَمْ «1»] كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنَا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلنا هما عَلَى طُهْرٍ ثَلَاثًا إِذَا سَافَرْنَا، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا أَقَمْنَا، وَلَا نَخْلَعْهُمَا مِنْ بَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَا نَوْمٍ [وَلَا نَخْلَعْهُمَا «2»] إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ. فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُ مَالِكٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالنَّوْمِ. قَالُوا: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ كَثِيرُهُ وَمَا غَلَبَ عَلَى الْعَقْلِ مِنْهُ حَدَثًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَلِيلُهُ كَذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وِكَاءُ السَّهِ «3» الْعَيْنَانِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَهَذَا عَامٌّ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا الطَّرَفُ الْآخَرُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، حَتَّى يُحْدِثَ النَّائِمُ حَدَثًا غَيْرَ النَّوْمِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُوَكِّلُ مَنْ يَحْرُسُهُ إِذَا نَامَ. فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ حَدَثٌ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ وَصَلَّى، وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي رِوَايَةِ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ هَذَيْنَ الطَّرَفَيْنِ. فَأَمَّا جُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّ كُلَّ نَائِمٍ اسْتَثْقَلَ نَوْمًا، وَطَالَ نَوْمُهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: فَإِنْ كان النوم
__________
(1). الزيادة عن سنن الدارقطني. [ ..... ]
(2). الزيادة عن سنن الدارقطني.
(3). السه: الاست، وأصله السته بالتحريك فحذفت عين الفعل، ويروى (الست) بحذف لام الفعل.

الصفحة 221