كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

خَفِيفًا لَا يُخَامِرُ الْقَلْبَ وَلَا يَغْمُرُهُ لَمْ يَضُرَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا وُضُوءَ إِلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَوَرِّكًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ نَامَ جَالِسًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً [يَعْنِي الْعِشَاءَ «1»] فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا [فِي الْمَسْجِدِ «2»] ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: (لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ) رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، وَهُوَ أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ وَالْعَمَلِ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ وَصَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ فِي حَدِيثِهِ فَمَعْنَاهُ: وَنَوْمٌ ثَقِيلٌ غَالِبٌ عَلَى النَّفْسِ، بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ. وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى حَدِيثَ صَفْوَانَ وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ فَقَالَ: (أَوْ رِيحٌ) بَدَلُ (أَوْ نَوْمٌ)، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (أَوْ رِيحٌ) غَيْرُ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرٍ. قُلْتُ: وَكِيعٌ ثِقَةٌ إِمَامٌ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ، فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ صَفْوَانَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ فِي أَنَّ النَّوْمَ حَدَثٌ. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَضَعِيفٌ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ حَتَّى. غَطَّ أَوْ نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قَدْ نِمْتَ! فَقَالَ: (إِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ). تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو خالد عن قتادة ولا يصح، قاله الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: قَوْلُهُ: (الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا) هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ الدَّالَانِيُّ عن قتادة، وروى أو له جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ الثِّقَاتِ، وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ أبو خالد الدلاني، وَأَنْكَرُوهُ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا نُقِلَ «3». وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: عَلَى كُلِّ نَائِمٍ الْوُضُوءَ إِلَّا عَلَى الْجَالِسِ وَحْدَهُ، وَإِنَّ كُلَّ مَنْ زَالَ عَنْ حَدِّ الِاسْتِوَاءِ وَنَامَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، فَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ وَدَاوُدَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وابن
__________
(1). الزيادة عن البخاري.
(2). الزيادة عن البخاري.
(3). في ج: فيما يقال.

الصفحة 222