كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

السَّادِسَةُ- اعْلَمْ أَنَّ الْمِيرَاثَ كَانَ يُسْتَحَقُّ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِأَسْبَابٍ: مِنْهَا الْحِلْفُ وَالْهِجْرَةُ وَالْمُعَاقَدَةُ، ثُمَّ نُسِخَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ «1») إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَادَ إِذَا كَانَ مَعَهُمْ مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى أُعْطِيَهُ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا) رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ. يَعْنِي الْفَرَائِضَ الْوَاقِعَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهِيَ سِتَّةٌ: النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ. فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ: ابْنَةِ الصُّلْبِ، وَابْنَةِ الِابْنِ، وَالْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ، وَالزَّوْجِ. وَكُلُّ ذَلِكَ إِذَا انْفَرَدُوا عَمَّنْ يَحْجُبُهُمْ «2» عَنْهُ. وَالرُّبُعُ فَرْضُ الزَّوْجِ مَعَ الْحَاجِبِ، وَفَرْضُ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجَاتِ مَعَ عَدَمِهِ. وَالثُّمُنُ فَرْضُ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجَاتِ مَعَ الْحَاجِبِ. وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ أَرْبَعٍ: الِاثْنَتَيْنِ «3» فَصَاعِدًا مِنْ بَنَاتِ الصُّلْبِ، وَبَنَاتِ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتِ الْأَشِقَّاءِ، أَوْ لِلْأَبِ. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ إِذَا انْفَرَدْنَ عَمَّنْ يَحْجُبُهُنَّ عَنْهُ. وَالثُّلُثُ فَرْضُ صِنْفَيْنِ: الْأُمِّ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، وَوَلَدِ الِابْنِ، وَعَدَمُ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَفَرْضُ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ. وَهَذَا هُوَ ثُلُثُ كُلِّ الْمَالِ. فَأَمَّا ثُلُثُ مَا يَبْقَى فَذَلِكَ لِلْأُمِّ فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَانِ، فَلِلْأُمِّ فِيهَا ثُلُثُ مَا يَبْقَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَفِي مَسَائِلِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ إِذَا كَانَ مَعَهُمْ ذُو سَهْمٍ وَكَانَ ثُلُثُ مَا يَبْقَى أَحْظَى لَهُ. وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ: الْأَبَوَانِ وَالْجَدُّ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدُ الِابْنِ، وَالْجَدَّةُ وَالْجَدَّاتُ إِذَا اجْتَمَعْنَ، وَبَنَاتُ «4» الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ، وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ مَعَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، وَالْوَاحِدُ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَهَذِهِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا فَرْضَ الْجَدَّةِ وَالْجَدَّاتِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّنَّةِ. وَالْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِهَذِهِ الْفُرُوضِ بِالْمِيرَاثِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءٍ: نَسَبٌ ثَابِتٌ، وَنِكَاحٌ مُنْعَقِدٌ، وَوَلَاءُ عَتَاقَةٍ. وَقَدْ تَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ الْأَشْيَاءُ فَيَكُونُ الرَّجُلُ زَوْجَ الْمَرْأَةِ وَمَوْلَاهَا وَابْنَ عَمِّهَا. وَقَدْ يَجْتَمِعُ فِيهِ مِنْهَا شَيْئَانِ لَا أَكْثَرُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا وَمَوْلَاهَا، أَوْ زَوْجُهَا وَابْنُ عَمِّهَا، فَيَرِثُ بِوَجْهَيْنِ وَيَكُونُ لَهُ جميع المال إذا انفرد: نصفه
__________
(1). ص 165 من هذا الجزء.
(2). من ى، وباقى الأصول: يحجبهن.
(3). في ب وج: لابنتين [ ..... ]
(4). أي واحدة فصاعدا.

الصفحة 60