كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

وَلُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَرَبِيعَةَ الثُّلْثُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ إلى العشر. ويقال: ثلث الْقَوْمَ أُثَلِّثُهُمْ، وَثَلَّثْتُ الدَّرَاهِمَ أُثَلِّثُهَا إِذَا تَمَّمْتُهَا ثَلَاثَةً، وَأَثْلَثَتْ هِيَ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمِائَةِ وَالْأَلْفِ: أَمْأَيْتُهَا وَآلَفْتُهَا وَأَمْأَتْ وَآلَفَتْ. الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) قَرَأَ نَافِعٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ (وَاحِدَةٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى وَقَعَتْ وَحَدَثَتْ، فَهِيَ كَانَتِ التَّامَّةُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئُونِي ... فَإِنَّ الشَّيْخَ يُهْرِمُهُ الشِّتَاءُ
وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ. أَيْ وَإِنْ كَانَتِ الْمَتْرُوكَةُ أَوِ الْمَوْلُودَةُ (واحِدَةً) مِثْلَ (فَإِنْ كُنَّ نِساءً). فَإِذَا كَانَ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ بَنَاتُ ابْنٍ، وَكَانَ بَنَاتُ الصُّلْبِ اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا حَجَبْنَ بَنَاتِ الِابْنِ أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ، لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ فِي غَيْرِ الثُّلُثَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ بِنْتُ الصُّلْبِ وَاحِدَةً فَإِنَّ ابْنَةَ الِابْنِ أَوْ بَنَاتَ الِابْنِ يَرِثْنَ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، لِأَنَّهُ فَرْضٌ يَرِثُهُ الْبِنْتَانِ فَمَا زَادَ. وَبَنَاتُ الِابْنِ يَقُمْنَ مَقَامَ الْبَنَاتِ عِنْدَ عَدَمِهِنَّ. وَكَذَلِكَ أَبْنَاءُ الْبَنِينَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْبَنِينَ فِي الْحَجْبِ وَالْمِيرَاثِ. فَلَمَّا عُدِمَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُنَّ السُّدُسَ كَانَ ذَلِكَ لِبِنْتِ الِابْنِ، وَهِيَ أَوْلَى بِالسُّدُسِ مِنَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ لِلْمُتَوَفَّى. عَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي مُوسَى وَسُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ، وَالنِّصْفَ الثَّانِي لِلْأُخْتِ، وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِبِنْتِ الِابْنِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو قَيْسٍ سَمِعْتُ هُزَيْلَ «1» بْنَ شُرَحْبِيلَ يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ. فَقَالَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ سَيُتَابِعُنِي. فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ! أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ. فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ. فَإِنْ كَانَ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ ابْنٌ فِي دَرَجَتِهَا أَوْ أَسْفَلَ مِنْهَا عَصَّبَهَا، فَكَانَ النِّصْفُ الثَّانِي بَيْنَهُمَا، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَالِغًا مَا بلغ- خلافا لابن مسعود على
__________
(1). هكذا ضبطه في أسد الغابة وهامش التهذيب، وفي ج وى وط: هذيل بالذال ولا يثبت.

الصفحة 64