كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

السَّابِعَةُ عَشْرَةَ- إِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ زِيَادَةِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ)، وَكَانَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَرِثَهُ أَبَوَاهُ. قِيلَ لَهُ: أَرَادَ بِزِيَادَتِهَا الْإِخْبَارَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ ثَابِتٌ فَيُخْبِرُ عَنْ ثُبُوتِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ، فَيَكُونُ حَالُ الْوَالِدَيْنِ عِنْدَ انْفِرَادِهِمَا كَحَالِ الْوَلَدَيْنِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَيَجْتَمِعُ لِلْأَبِ بِذَلِكَ فَرْضَانِ السَّهْمُ وَالتَّعْصِيبُ إِذْ يُحْجَبُ الْإِخْوَةُ كَالْوَلَدِ. وَهَذَا عَدْلٌ فِي الْحُكْمِ، ظَاهِرٌ فِي الْحِكْمَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّامِنَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ (فَلِإِمِّهِ الثُّلُثُ) وَهِيَ لُغَةٌ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ لُغَةُ كَثِيرٍ مِنْ هَوَازِنَ وَهُذَيْلٍ، وَلِأَنَّ اللَّامَ لَمَّا كَانَتْ مَكْسُورَةً وَكَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْحَرْفِ كَرِهُوا ضَمَّةً بَعْدَ كَسْرَةٍ، فَأَبْدَلُوا مِنَ الضَّمَّةِ كَسْرَةً، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعِلٌ. وَمَنْ ضَمَّ جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ اللَّامَ تَنْفَصِلُ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَى الِاسْمِ. قَالَ جَمِيعُهُ النَّحَّاسُ. التَّاسِعَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الْإِخْوَةُ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَهَذَا هُوَ حَجْبُ النُّقْصَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِخْوَةُ أَشِقَّاءً أَوْ لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ، وَلَا سَهْمَ لَهُمْ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: السُّدُسُ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةُ الْأُمَّ عَنْهُ هُوَ لِلْإِخْوَةِ. وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ النَّاسِ إِنَّهُ لِلْأَبِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَإِنَّمَا أَخَذَهُ الْأَبُ دُونَهُمْ، لِأَنَّهُ يَمُونُهُمْ وَيَلِي نِكَاحَهُمْ وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَخَوَيْنِ فَصَاعِدًا ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ مِنْ أَبٍ أَوْ مِنْ أُمٍّ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الِاثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَحْجُبُ الْأُمَّ أَقَلُّ مِنْ ثلاث. وَقَدْ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّ الْأَخَوَاتِ لَا يَحْجُبْنَ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ فِي الْإِخْوَةِ وَلَيْسَتْ قُوَّةُ مِيرَاثِ الْإِنَاثِ مِثْلَ قُوَّةِ مِيرَاثِ الذُّكُورِ حَتَّى تَقْتَضِيَ الْعِبْرَةُ الْإِلْحَاقَ. قَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ: وَمُقْتَضَى أَقْوَالِهِمْ أَلَّا يَدْخُلْنَ مَعَ الْإِخْوَةِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ بِمُطْلَقِهِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَخَوَاتِ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْبَنِينَ لَا يَتَنَاوَلُ الْبَنَاتِ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَلَّا تُحْجَبَ الْأُمُّ بِالْأَخِ الْوَاحِدِ وَالْأُخْتِ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ

الصفحة 72