كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (اسم الجزء: 5)

وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ فِي سَابِعِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّارِقِ، وَاحْتُرِزَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ عَنْ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِ، وَبِالثَّانِي عَنْ الْقَطْعِ لِلْأَكَلَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا مُدَاوَاةٍ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لِمَا جَازَ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِالْخِتَانِ رَجُلًا أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ خَرَجَ إلْقَاءُ الشَّعْرِ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ فِي الْخِتَانِ تَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ لِقَوْلِ الْحَسَنِ: قَدْ أَسْلَمَ النَّاسُ وَلَمْ يَخْتَتِنُوا وَقِيلَ وَاجِبٌ لِلذُّكُورِ سُنَّةٌ لِلْإِنَاثِ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّتِهِ فَكَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ وُلِدَ مَخْتُونًا أَجْزَأَهُ.
فَائِدَةٌ: أَوَّلُ مَنْ اخْتَتَنَ مِنْ الرِّجَالِ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْإِنَاثِ هَاجَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -.
تَنْبِيهٌ: خُلِقَ آدَم مَخْتُونًا وَوُلِدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَخْتُونًا ثَلَاثَةَ عَشَرَ: شِيثُ، وَنُوحٌ، وَهُودٌ، وَصَالِحٌ، وَلُوطٌ، وَشُعَيْبُ، وَيُوسُفُ، وَمُوسَى، وَسُلَيْمَانُ، وَزَكَرِيَّا، وَعِيسَى، وَحَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَوْقُوفًا «أَنَّ جِبْرِيلَ خَتَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ طَهَّرَ قَلْبَهُ» وَرَوَى أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْم سَابِعَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا» وَخَرَجَ بِالْبَالِغِ الصَّغِيرُ، وَبِالْعَاقِلِ الْمَجْنُونُ، وَبِمَنْ يَحْتَمِلُهُ مَنْ لَا يَحْتَمِلُهُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، وَالثَّالِثِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ خِتَانُ ضَعِيفِ خِلْقَةٍ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَحْتَمِلَهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا شَرْطٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، وَبِالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، فَلَا يَجُوزُ خِتَانُهُ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ. هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ خِتَانُ فَرْجَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ أَحْسَنَ الْخَتْنَ، خَتَنَ نَفْسَهُ، وَإِلَّا ابْتَاعَ أَمَةً تَخْتِنُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِلضَّرُورَةِ كَالطَّبِيبِ، وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ عَامِلَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ خَتْنُهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامِلًا فَقَطْ وَجَبَ عَلَيْهِ خَتْنُهُ فَقَطْ، وَإِنْ شَكَّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالْخُنْثَى، وَهَلْ يُعْرَفُ الْعَمَلُ بِالْجِمَاعِ أَوْ الْبَوْلِ؟ وَجْهَانِ، جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ بِالثَّانِي وَرَجَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

(وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ) أَيْ الْخِتَانِ (فِي سَابِعِهِ) أَيْ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَتَنَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِمَا» وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَا يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ صُحِّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يُحْسَبُ وَإِنَّمَا حُسِبَ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْهَا فِي الْعَقِيقَةِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَتَسْمِيَةِ الْوَلَدِ لَمَّا فِي الْخَتْنِ مِنْ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِهِ الْمُنَاسِبُ لَهُ التَّأْخِيرُ الْمُفِيدُ لِلْقُوَّةِ عَلَى تَحَمُّلِهِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ فِي السَّابِعِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُطِيقُهُ، وَلِأَنَّ الْيَهُودَ يَفْعَلُونَهُ فَالْأَوْلَى مُخَالَفَتُهُمْ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِحْيَاءِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ قَبْلَ السَّابِعِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُخْتَنَ فِي الْأَرْبَعِينَ، فَإِنْ أَخَّرَهُ

الصفحة 540