كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 5)

التخصيصُ ممتنعاً، ثم إن ظاهرَ هذه الآية يدل على أنه - تعَالَى - عفا عنهم من غير توبةٍ؛ لأنه لم يذكر التوبة، فدلَّ على أنه - تعَالَى - قد يعفو عن أصحاب الكبائرِ، ثم قال: {والله ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين} وهو راجعٌ إلى ما تَقَدَّمَ من ذكر النعم؛ فإنه نصرهم - أولاً - ثم عفا عنهم - ثانياً - وهذا يدل على أن صَاحِبَ الكبيرةِ مُؤمِنٌ.
العامل في «إذْ» قيل: مُضْمَر، أي: اذكروا.
وقال الزمخشريُّ: «صَرَفَكُمْ» أوْ «لِيَبْتَلِيَكُمْ» .
وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون ظرفاً لِ «عَصَيْتُمْ» أوْ «تَنَازَعْتُمْ» أو فَشِلْتُمْ.
وقيل: هو ظرف لِ «عَفَا عَنْكُمْ» أي: عفا عنكم إذْ تُصْعِدُون هاربين.
وكل هذه الوجوهِ سائغةٌ، وكونه ظرفاً لِ «صَرَفَكُمْ» جيدٌ من جهةِ المعنى، ولِ «عَفَا» جيدٌ من جهة القُرْبِ، وعلى بعض هذه الأقوالِ تكون المسألةُ من باب التنازعِ، ويكون على إعمال الأخيرِ منها، لعدم الإضمارِ في الأول، ويكون التنازعُ في أكثرِ من عاملينِ.
والجمهور على {تُصْعِدُونَ} - بضم التاء وكسر العين - من: أصْعَدَ في الأرض، إذا ذهب فيها. والهمزةُ فيه للدخول، نحو أصبح زيدٌ، أي: دخل في الصباح، فالمعنى: إذ تدخلون في الصعود، ويُبيِّن ذلك قراءة أبيٍّ «تصعدون في الوادي» .
وقرأ الحسنُ، والسُّلمي، وقتادةُ: «تَصْعَدُونَ» بفتح التاء والعين - من: صعد في الجبل، أي: رقي، والجمع بين القراءتين أنهم - أولاً - أصعدوا في الوادي، ثم لما هزمهم العدو - صعدوا في الجبل، وهذا على رَأى مَنْ يُفَرِّق بين صعد وأصْعد، وقرأ أبو حَيْوَةَ: «تَصَعَّدُون» بالتشديد - وأصله: تَتَصَعَّدُونَ، حذفت إحدى التاءين، إما تاء المضارعة، أو تاء «تَفَعَّل» والجمع بين قراءتِهِ وقراءة غيره كما تقدم.
والجمهورُ {تُصْعِدُونَ} بتاء الخطاب، وابن مُحَيْصن - ويُرْوَى عن ابن كثيرٍ - بياء الغيبة، على الالتفاتِ، وهو حسنٌ.
ويجوز أن يعودَ الضمير على المؤمنين، أي: {والله ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين إِذْ تُصْعِدُونَ} فالعاملُ في «إذْ» «فَضْلٍ» ويقال: أصْعَدَ: أبعد في الذهاب، قال القُتَبِيُّ أصعد:

الصفحة 603