كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 5)

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ صَوَابُ الْعَمَلِ مَا ذَكَرُوا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَبَرُ الثَّلَاثِ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا فَلَيْسَ فِيهِ إنْ تَقَدَّمَ إبْطَالٌ لِحُكْمِ النَّهْيِ عَنْ سَفَرِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَكِنَّهُ بَعْضُ مَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ أَصْلًا؛ بَلْ كُلُّ (تِلْكَ) الْأَخْبَارِ حَقٌّ وَكُلُّهَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا وَلَيْسَ بَعْضُهَا مُخَالِفًا لِبَعْضٍ أَصْلًا.
وَيُقَالُ لَهُمْ: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» جَامِعٌ لِكُلِّ سَفَرٍ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ تَحْرِيمِ كُلِّ سَفَرٍ عَلَيْهَا إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ، ثُمَّ لَا نَدْرِي أَبَطَلَ هَذَا الْحُكْمُ أَمْ لَا؟ فَنَأْخُذُ بِالْيَقِينِ وَنُلْغِي الشَّكَّ؛ فَهَذَا مُعَارِضٌ لِاحْتِجَاجِهِمْ مَعَ مَا قَدَّمْنَا.
وَيُقَالُ لَهُمْ: عَهْدُنَا بِكُمْ تَذُمُّونَ الْأَخْبَارَ بِالِاضْطِرَابِ، وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَلَمْ يَضْطَرِبْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلًا وَاضْطَرَبَ عَنْ سَائِرِهِمْ -: فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «لَا تُسَافِرْ ثَلَاثًا» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ؛ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «لَا تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ «لَا تُسَافِرْ يَوْمَيْنِ» ؛ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تُسَافِرْ ثَلَاثًا» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ يَوْمًا وَلَيْلَةً» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ يَوْمًا» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ بَرِيدًا» ؛ فَعَلَى أَصْلِكُمْ دَعُوا رِوَايَةَ مَنْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ وَاضْطَرَبَ عَنْهُ إذْ لَيْسَ بَعْضُ مَا رُوِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ مَا رُوِيَ عَنْهُ؛ وَخُذُوا بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ وَلَا اضْطَرَبَ عَنْهُ؛ وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ فَهَذَا أَشْبَهُ مِنْ اسْتِدْلَالِكُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي:
أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا ذَكَرْنَا لَا تُسَافِرْ (الْمَرْأَةُ) فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ فَإِنْ صَحَّحْتُمْ اسْتِدْلَالَكُمْ (الْفَاسِدَ) بِأَخْذِ أَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْأَخْبَارِ فَامْنَعُوهَا مِمَّا زَادَ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَأَبِيحُوا لَهَا سَفَرَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ كَمَا سَفَرُ الْيَوْمَيْنِ، وَالْيَوْمِ، وَالْبَرِيدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ عِنْدَكُمْ؛ وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ؛ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا هَاهُنَا - فَمَا هَذَا يُنْكَرُ مِنْ إقْدَامِهِمْ، وَأَكْذَبَهُمْ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ - عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ؛ وَلَا سِيَّمَا وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ.

الصفحة 22