كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 5)

قُلْنَا: إلَى مَتَى؟ أَفَرَأَيْت إنْ لَمْ يُبِيحُوا الْحَجَّ لِلْأَوْلَادِ أَوْ الزَّوْجَةِ أَبَدًا؟ فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانُوا مُتَحَكِّمِينَ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ وَشَارِعِينَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ بِطَاعَتِهِمْ فِي تَرْكِ الْحَجِّ أَبَدًا جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي امْرَأَةٍ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، أَنَّهَا مُحْرِمَةٌ؟ قَالَ الْحَكَمُ: حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ.

[مَسْأَلَةٌ اسْتِطَاعَةُ السَّبِيلِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَجُّ]
815 - مَسْأَلَةٌ: وَاسْتِطَاعَةُ السَّبِيلِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَجُّ إمَّا صِحَّةُ الْجِسْمِ وَالطَّاقَةُ عَلَى الْمَشْيِ وَالتَّكَسُّبُ مِنْ عَمَلٍ أَوْ تِجَارَةٍ مَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْحَجِّ وَيَرْجِعُ إلَى مَوْضِعِ عَيْشِهِ أَوْ أَهْلِهِ، وَإِمَّا مَالٌ يُمَكِّنُهُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ - وَالْعَيْشِ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَّةَ وَيَرُدَّهُ - إلَى مَوْضِعِ عَيْشِهِ أَوْ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحَ الْجِسْمِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ بَرًّا أَوْ بَحْرًا؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يُطِيعُهُ فَيَحُجَّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إنْ كَانَ هُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ لَا رَاكِبًا وَلَا رَاجِلًا؛ فَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَمْكَنَتْ الْإِنْسَانَ الْمُسْلِمَ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ؟ فَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِهَا فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَلَا عُمْرَةَ.
وَقَالَ قَوْمٌ: الِاسْتِطَاعَةُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ: الِاسْتِطَاعَةُ قُوَّةُ الْجِسْمِ أَوْ الْقُوَّةُ بِالْمَالِ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَرَ وُجُودَ مَنْ يُطِيعُهُ اسْتِطَاعَةً وَلَا أَوْجَبَ بِذَلِكَ حَجًّا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقْعَدَ مِنْ رِجْلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَاسِعٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى - وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ وَعَلَى الْأَعْمَى.
وَرَأَى الشَّافِعِيُّ: أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ إنَّمَا هِيَ بِمَالٍ يَحُجُّ بِهِ أَوْ مَنْ يُطِيعُهُ فَيَحُجُّ عَنْهُ فَقَطْ، وَلَمْ يَرَ قُوَّةَ الْجِسْمِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ اسْتِطَاعَةً؛ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: الِاسْتِطَاعَةُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ بِآثَارٍ رُوِّينَاهَا -:

الصفحة 27