كتاب البناية شرح الهداية (اسم الجزء: 5)

ثم قرن الركن في جانبه باللعن لو كان كاذبا، وهو قائم مقام حد القذف، وفي جانبها بالغضب، وهو قائم مقام حد الزنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما شهادته لنفسه فغير مقبولة لمكان التهمة، لا لأنه لا يصلح للشهادة، ألا ترى إلى قوله عز وجل {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18] ... الآية، وكان من أصدق الشهادات لانتفاء التهمة والتهمة فيما نحن فيه منتفية باليمين، مع أنها بإذن الله تعالى أو شرع رسوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأما تكرار الشهادة لقيامها مقام أربع شهادات، فإن الواجب عليه إقامة أربع شهادات من شهود أربعة، وقد عجز عن إقامة شهود أربعة، ولم يعجز عن إقامة أربع شهادات فما عجز عنه.
م: (ثم قرن الركن) ش: هو الشهادة م: (في جانبه) ش: أي في جانب الزوج م: (باللعن لو كان كذابا) ش: تأكيدا م: (وهو قائم مقام حد القذف) ش: ولهذا لا يثبت بالشهادة على الشهادة، ولا بشهادة النساء، وكتاب القاضي إلى القاضي م: (وفي جانبها) ش: أي وفي جانب الزوجة م: (بالغضب) ش: أي قرن الشهادة بالغضب، وإنما خص الغضب في جانبها في المرة الخامسة لأنهن يستعملن اللعن كثيرا في البيوت على ما جاء في الحديث: أنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، وسقطت حرمة اللعن عند أعينهن فيجرين على الإقدام عليه لكثرة حربه، فأقيم الغضب مقامه في حقهن ليكون أدعى لهن عن الإقدام، وإنما أفردت الخامسة بالغضب لأنها ليست من جنس الشهادة لعدم ذكر الشهادة فيها م: (وهو قائم مقام حد الزنا) ش: ولهن لو قذفها مرارا يكفي لعان واحد كالحد.
فإن قيل ما معنى إقامة الشهادة مقام الحد في الطرفين، وهنا المناسبة بين الحد والشهادة أجيب بأن الحد زاجر، والاستشهاد بالله تعالى كاذبا مقرونا باللعن على نفسه سبب الهلاك، وفي ذلك زجر عن الإقدام على سببه.
فإن قيل: لو كان اللعان قائما في حقه مقام حد القذف لجرى كجريانه في الاتحاد والتعدد، وليس كذلك، فإن من قذف أربع نسوة له في كلمة واحد، وفي كلام متفرق فعليه أن يلاعن عن كل واحدة منهن على حدة، وإن قذف أجنبيان فإنه يقام عليه حد القذف لهذا مرة واحدة. أجيب: بأن اللعان قائم في حقه مقام امرأته لا مطلقا، لأنه صار بدلا عما كان يلزمه في الابتداء بقذفها، فلا يرد عليه الأجنبيات، على أن ذلك لاختلاف المقصود، فإن المقصود هنا رفع عار الزنا عنهن، وذلك يحصل بإقامة حد واحد، وهنا لا يحصل المقصود بلعان واحد تعذر الجمع بينهن بكلمات اللعان، فقد يكون صادقا في حق بعض دون بعض، والمقصود التفريق بينه وبينهن، ولا يحصل ذلك بلعان بعضهن، فيلاعن كلا منهن، حتى لو كان محدودا في قذف كان عليه لهن حد واحد، لأن موجب قذفهن الحد حينئذ، والمقصود يحصل بحد واحد كما في الأجنبيات.

الصفحة 564