كتاب البناية شرح الهداية (اسم الجزء: 5)

قال: النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول بلفظين يعبر بهما عن الماضي؛ لأن الصيغة وإن كانت للإخبار وضعا فقد جعلت للإنشاء شرعا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالوقوع في الزنا بلا خلاف.
وفي " المبسوط ": لا يسعه تركه حينئذ. وقال النسفي: النكاح سنة، يعني في حال الاعتدال، وعند التوقان يجب، وهو غلبة الشهوة، وقالوا: حالة الجور مكروه، لأنه لا يظهر المصالح المطلوبة من النكاح في حالة الجور.
فإن قلت: روي عن حذيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ قال: إذا كان سنة خمس ومائة فلأن يربي أحدكم جروا كلبا خير له من أن يربي ولد المرء، وروي أيضا: خيركم الذي لا أهل له ولا ولد.
قلت: قال ابن حزم: وهما موضوعان؛ لأنهما من رواية أبي عاصم، رواه الجراح العسقلاني، لا يحتج به، وبيان وضعهما أنه لو استعمل الناس ما فيهما من ترك النسل لبطل الإسلام والجهاد والدين، وغلب أهل الكفر، فيظهر رده بلا شك، انتهى كلامه.

م: (قال: النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول) ش: أراد به أن النكاح ينعقد بالعقد الشرعي الذي يوجب حل المرأة بنفسه، وإنما قيد بنفسه احترازا عن البيع، فإنه يوجب حلها بواسطة ملك الرقبة والعقد والربط، يقال: عقد الحبل إذا ضم أحد طرفيه بالآخر وهي العقدة، ومنها عقدة النكاح والربط. والانعقاد مطاوعة ليصير كلام أحد العاقدين منضما إلى الآخر حكما، ويحصل تركيب شرعي له آثار مخصوصة عند وجود الشرائط، وأراد بالإيجاب إخراج الممكن من الإمكان إلى الوجود على ما هو المعروف عند المتكلمين، لا الإيجاب الذي يعاقب بتركه.
وقلنا: زوجت وتزوجت آلة انعقاده، وقوله: ينعقد بالإيجاب إشارة إلى هذا لأن الباء تدخل على الآلة كما يقال: قطعت بالسكين وكتبت بالقلم، وكذا قولهم: البيع ينعقد بكذا، يعنون به العقد الشرعي الذي يوجب الملك في المحل.
م: (بلفظين) ش: قيد باللفظين ليخرج الكتابة، فإنه لو كتب رجل على شيء لامرأة زوجيني نفسك، فكتبت المرأة على ذلك الشيء عقيبه زوجت نفسي منك، لا ينعقد النكاح وبه قال الشافعي ومالك وأحمد.
م: (يعبر بهما) ش: أي يبين بهما لأن التعبير والعبارة البيان م: (عن الماضي) ش: أي عن صيغة الفعل الماضي بأن تقول المرأة: زوجت نفسي منك، ويقول الرجل: قبلت م: (لأن الصيغة وإن كانت للإخبار وضعا) ش: أي للإخبار في أصل الوضع، لأن الإخبار إظهار ما كان أو سيكون لا لإثبات ما لم يكن. لأن قولك أقمت لا يوجب القيام. وكذلك قولك: تزوجت لا يثبت التزويج وضعا ولغة م: (فقد جعلت) ش: أي الصيغة. م: (للإنشاء شرعا) ش: أي من حيث الشرع: لأن الإنشاء إثبات أمر لم يكن.

الصفحة 6