كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 5)

مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ سَوَاءٌ قَصَدَ نَفْسَهُ أَوْ الْمُلْتَزِمَ أَمْ هُمَا أَمْ الْعَامِلَ وَالْمُلْتَزِمَ أَمْ الْجَمِيعَ أَمْ أَطْلَقَ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ إنْ قَصَدَ نَفْسَهُ وَالْعَامِلَ أَوْ الْعَامِلَ وَالْمُلْتَزِمَ وَثُلُثَاهُ إنْ قَصَدَ الْجَمِيعَ (وَلَا شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ) أَيْ فِي حَالٍ مِمَّا ذُكِرَ لِتَبَرُّعِهِ وَلَوْ قَالَ الْوَاحِدُ إنْ رَدَدْته فَلَكَ دِينَارٌ وَلِآخَرَ إنْ رَدَدْته أُرْضِيك فَرَدَّاهُ فَلِلْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّينَارِ وَلِلْآخَرِ نِصْفُ أُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ كَذَا فَأَمَرَ رَقِيقَهُ بِرَدِّهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ اسْتَحَقَّ كُلٌّ الْجُعْلَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِإِنَابَتِهِ إيَّاهُ فِي الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُؤَثِّرُ طَرَيَان حُرِّيَّتِهِ كَمَا لَوْ أَعَانَهُ أَجْنَبِيٌّ فِيهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمَالِكُ، وَأَفْتَى أَيْضًا فِي وَلَدٍ قَرَأَ عِنْدَ فَقِيهٍ مُدَّةً ثُمَّ نَقَلَ إلَى فَقِيهٍ آخَرَ فَطَلَعَ عِنْدَهُ سُورَةً يُعْمَلُ لَهَا سُرُورٌ كَالْأَصَارِيفِ مَثَلًا وَحَصَلَ لَهُ فُتُوحٌ بِأَنَّهُ لِلثَّانِي وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْأَوَّلُ، وَيَنْقَسِمُ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِ لُزُومِهِ وَجَوَازِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ قَطْعًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ وَالصُّلْحِ وَالْحَوَالَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الْفُرُوعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْخُلْعِ، وَلَازِمٌ مِنْ أَحَدِهِمَا قَطْعًا وَمِنْ الْآخَرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ النِّكَاحُ فَإِنَّهُ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ قَطْعًا وَمِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقُدْرَتُهُ عَلَى الطَّلَاقِ لَيْسَتْ فَسْخًا.
ثَانِيهَا لَازِمٌ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ جَائِزٌ مِنْ الْآخَرِ قَطْعًا كَالْكِتَابَةِ، وَكَذَا الرَّهْنُ وَهِبَةُ الْأُصُولِ لِلْفُرُوعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ ثَالِثُهَا جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ، وَكَذَا الْجُعْلُ لَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْعَمَلِ وَلِهَذَا قَالَ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْجَاعِلِ وَالْعَامِلِ (الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.
أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْجَاعِلِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقٍ بِشَرْطٍ فَأَشْبَهَتْ الْوَصِيَّةَ.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ فَلِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا مَجْهُولٌ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَّصِفُ بِاللُّزُومِ كَالْقِرَاضِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ مِنْ الْعَامِلِ فِي الِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَسْخِ رَفْعُ الْعَقْدِ وَرَدُّهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْفَسْخِ لِأَنَّ الْجُعْلَ قَدْ لَزِمَ وَاسْتَقَرَّ وَعُلِمَ مِنْ جَوَازِهَا انْفِسَاخُهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَرَدَّهُ إلَى وَارِثِهِ اسْتَحَقَّ قِسْطَ مَا عَمِلَهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ الْمُسَمَّى، وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ فَرَدَّهُ وَارِثُهُ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ مِنْهُ أَيْضًا (فَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالزَّرْكَشِيُّ.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَقَصَدَ) هِيَ لِلشَّرْطِ بِمَعْنَى إنْ قَصَدَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ إنْ قَصَدَ نَفْسَهُ وَالْعَامِلَ أَوْ الْعَامِلَ وَالْمُلْتَزِمَ) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَخُصُّ الْعَامِلَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِ الْمُعَاوِنِ لَهُ، وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهُ لِلْعَامِلِ نِصْفَهُ وَهُوَ الرُّبُعُ وَإِذَا ضُمَّ الرُّبُعُ إلَى النِّصْفِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْعَامِلُ كَانَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ وَالرُّبُعُ الرَّابِعُ يَبْقَى لِلْمُلْتَزِمِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الثُّلُثَيْنِ، فَإِنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ النِّصْفَ وَمَا تَبَرَّعَ بِهِ الْمُعَاوِنُ لَهُ ثُلُثُ النِّصْفِ إلَى فَضْلٍ يَضُمُّ إلَيْهِ النِّصْفَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ وَمَجْمُوعُهُمَا الثُّلُثَانِ.
(قَوْلُهُ: اسْتَحَقَّ كُلٌّ الْجُعْلَ) أَيْ السَّيِّدُ ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ الْعَبْدَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَقِيَاسُ مَا لَوْ قَصَدَ الْعَامِلَ نَفْسَهُ حَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْمُعَيَّنَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ سُقُوطَ مَا يُقَابِلُ عَمَلَ الْعَبْدِ مِنْ وَقْتِ إعْتَاقِهِ.
(قَوْلُهُ: فَطَلَعَ عِنْدَهُ) أَيْ فَقَرَأَ عِنْدَهُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ ثُمَّ طَلَعَ سُورَةً يَعْمَلُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَرَدَّهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: فِي الْحَيَاةِ مِنْ الْمُسَمَّى) أَيْ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْوَارِثِ لَهُ شَيْئًا، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَامِلُ بِمَوْتِ الْجَاعِلِ قَبْلَ الرِّقِّ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ عَمِلَ الْعَامِلُ إلَخْ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَارِثَ هُنَا لَمْ يُنْسَبْ لِتَقْصِيرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلَ الْمُسْتَنِيبِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا اسْتَظْهَرَهُ فِيمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ بِدُونِ عُذْرٍ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَمَعَهُ أَوْلَى فَاسْتِيجَاهُهُ صَحِيحٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَعَانَهُ إلَخْ) قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْعَتِيقَ لَوْ قَصَدَ الْمَالِكُ حِينَئِذٍ أَنَّ السَّيِّدَ الْمُعْتِقَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَلْيُرَاجَعْ.

الصفحة 476