كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 5)

فُسِخَ) بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ فَسَخَهُ الْجَاعِلُ أَوْ الْعَامِلُ (قَبْلَ الشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ (أَوْ فَسَخَهُ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِيهِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا فِي الْأُولَى وَلِأَنَّ الْجُعْلَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ فِي الثَّانِيَةِ بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَقَدْ فَوَّتَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ أَوَقَعَ مَا عَمِلَهُ مُسَلَّمًا وَظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحِلِّ أَمْ لَا، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الصَّبِيَّ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا زَادَ الْجَاعِلُ فِي الْعَمَلِ وَلَمْ يَرْضَ الْعَامِلُ بِالزِّيَادَةِ فَفَسَخَ لِذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْجَاعِلَ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقِيَاسُهُ كَذَلِكَ إذَا نَقَصَ مِنْ الْجُعْلِ، وَرُدَّ أَنَّ النَّقْصَ فَسْخٌ كَمَا يَأْتِي وَهُوَ فَسْخٌ مِنْ الْمَالِكِ لَا مِنْ الْعَامِلِ، وَلَوْ عَمِلَ الْعَامِلُ، بَعْدَ فَسْخِ الْمَالِكِ شَيْئًا عَالِمًا بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ جَاهِلًا بِهِ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِأَنَّ لَهُ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ جَاهِلًا بِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ) يَعْنِي الْمُلْتَزِمَ وَلَوْ بِإِعْتَاقِ الْمَرْدُودِ مَثَلًا كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ حَيْثُ أَعْتَقَ الْمَالِكُ الْمَرْدُودَ شَيْئًا لِخُرُوجِهِ عَنْ قَبْضَتِهِ فَلَمْ يَقَعْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا لَهُ (بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ (فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِمَا مَضَى (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيطَ عَلَى رَفْعِهِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْفُسُوخِ، لَكِنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ وَقَعَ مُحْتَرَمًا فَلَا يُحْبَطُ بِفَسْخِ غَيْرِهِ فَرَجَعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ إذَا فُسِخَتْ بِعَيْبٍ.
وَالثَّانِي لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ كَمَا لَوْ فَسَخَ بِنَفْسِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا صَدَرَ مِنْ الْعَامِلِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودٌ أَصْلًا كَرَدِّ الْآبِقِ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ يَحْصُلُ بِهِ بَعْضُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ عَلَّمْت ابْنِي الْقُرْآنَ فَلَكَ كَذَا ثُمَّ مَنَعَهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلَا يُشْكِلُ مَا رَجَّحُوهُ هُنَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِقَوْلِهِمْ إذَا مَاتَ الْعَامِلُ أَوْ الْمَالِكُ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ حَيْثُ يَنْفَسِخُ وَيَجِبُ الْقِسْطُ مِنْ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْجَاعِلَ أَسْقَطَ حُكْمَ الْمُسَمَّى فِي مَسْأَلَتِنَا بِفَسْخِهِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ فِي الِانْفِسَاخِ تَمَّمَ الْعَمَلَ بَعْدَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْفَسْخِ مَحِلُّ نَظَرٍ، إذْ لَا أَثَرَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ خُصُوصِ الْوُجُوبِ مِنْ الْمُسَمَّى تَارَةً وَمِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أُخْرَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ (وَلِلْمَالِكِ) يَعْنِي الْمُلْتَزِمَ (أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ فِي) الْعَمَلِ وَفِي (الْجُعْلِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (قَبْلَ الْفَرَاغِ) كَالْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ مَا قَبْلَ الشُّرُوعِ وَمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشْرَةٌ ثُمَّ قَالَ مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ خَمْسَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالِاعْتِبَارُ بِالْأَخِيرِ (وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَهُ) لِأَنَّ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ، وَالْفَسْخُ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَمَحِلُّهُ فِيمَا قَبْلَ الشُّرُوعِ أَنْ يَعْلَمَ الْعَامِلُ بِالتَّغْيِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فِيمَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَمْ يُعْلِنْ بِهِ الْمُلْتَزِمُ فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ: يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ الْأَوَّلَ، وَأَقَرَّهُ السُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ أَوْ الْعَامِلُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا كَمَا يَأْتِي وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَسْخِ مِنْهُ تَرْكُ الْعَمَلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَإِلَّا فَفَسْخُ الصَّبِيِّ لَغْوٌ.
(قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ خِلَافًا لحج.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمَنْهَجُ ظَاهِرٌ لِحُصُولِ التَّفْوِيتِ مِنْ جَانِبِ الْمَالِكِ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ أَعْتَقَ الْمَالِكُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْإِعْتَاقِ الْوَقْفُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا كَانَ) أَيْ ظَهَرَ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ عَمِلَ الْعَامِلُ بَعْدَ فَسْخِ الْمَالِكِ إلَخْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: تَمَّمَ الْعَمَلَ بَعْدَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ سم: أَيْ: فَكَأَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ بِحَالِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ بِلَا مَنْعٍ مِنْهُ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ وَيَنْدَفِعُ النَّظَرُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا) قَالَ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَتِهِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ عَمِلَ الْعَامِلُ بَعْدَ فَسْخِ الْمَالِكِ إلَخْ، وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ تَغْيِيرَ الْمَالِكِ فَسْخٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلَ الْعَامِلَ مُسْتَحِقًّا حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ التَّغْيِيرَ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا مُخَالَفَةَ إذْ ذَاكَ فَسْخٌ لَا إلَى بَدَلٍ

الصفحة 477