كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 5)

محمرّة، ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودّة. حتى إذا كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشام. فنزل رملة فلسطين. وتخلف رجل من أصحابه يقال له (ميدع بن هرم) فنزل قرح- وهي وادي القرى، وبين القرح وبين الحجر ثمانية عشر ميلا- فنزل على سيدهم رجل يقال له (عمرو بن غنم) وقد كان أكل من لحم الناقة ولم يشرك في قتلها. فقال له ميدع بن هرم: يا عمرو بن غنم، اخرج من هذا البلد، فإن صالحا قال: من أقام فيه هلك، ومن خرج منه نجا.
فقال عمرو: ما شركت في عقرها، وما رضيت ما صنع بها.
فلما كانت صبيحة الأحد، أخذتهم الصيحة، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك. إلا جارية مقعدة يقال لها (الزّريعة) وهي الكلبة ابنة السّلق. كانت كافرة شديدة العداوة لصالح، فأطلق الله لها رجليها بعد ما عاينت العذاب أجمع. فخرجت كأسرع ما يرى شيء قط. حتى أتت أهل قرح فأخبرتهم بما عاينت من العذاب وما أصاب ثمود منه، ثم استسقت من الماء فسقيت، فلما شربت ماتت.
الثاني- قال الرازي: زعم بعض الملحدين أن ألفاظ التنزيل في حكاية هذه الواقعة اختلفت، وهي الرجفة والطاغية والصيحة. والجواب ما قاله أبو مسلم: إن الطاغية اسم لكل ما تجاوز حده، سواء كان حيوانا أو غير حيوان، وألحق الهاء به للمبالغة. فالمسلمون يسمون الملك العاتي بالطاغية والطاغوت. وقال تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق: 6- 7] . ويقال طغى طغيانا، وهو طاغ وطاغية. وقال تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها [الشمس: 11] . وقال في غير الحيوان: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ [الحاقة: 11] ، أي: غلب وتجاوز عن الحد. وأما الرجفة فهي الزلزلة في الأرض، وهي حركة خارجة عن المعتاد، فلم يبعد إطلاق اسم الطاغية عليها. وأما الصيحة، فالغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة العظيمة الهائلة. وأما الصاعقة، فالغالب أنها الزلزلة، وكذلك الزجرة، قال تعالى: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: 13- 14] . فبطل ما زعمه ذلك البعض.
الثالث- قال علماء التفسير: ولم يبق من ذرية ثمود أحد، سوى صالح عليه السلام، ومن تبعه رضي الله عنهم. إلا أن رجلا يقال له أبو رغال. كان، لما وقعت النقمة بقومه، مقيما إذ ذاك في الحرم، فلم يصبه شيء، فلما خرج في بعض الأيام إلى الحلّ، جاءه حجر من السماء فقتله.

الصفحة 135