كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 5)

وفي (المواقف وشرحها) : أن الأمة أجمعت على عصمة الأنبياء من الكفر قبل النبوة وبعدها، غير أن الأزارقة من الخوارج جوّزوا عليهم الذنب، وكل ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر. وجوّز الشيعة إظهار الكفر تقية عند خوف الهلاك، واحترازا عن إلقاء النفس في التهلكة. ومثله في (شرح التجريد) .
ولما تقرر إجماع الأمة على ما ذكر، كان للعلماء في هذه الآية وجوه:
منها: أن العود المقابل للخروج، هو العود إلى ترك دعوى الرسالة والإقرار بها.
والجار والمجرور حال. أي ليكن منكم الخروج من قريتنا، أو العود إلى ترك دعوى الرسالة والإقرار بها، داخلين في ملتنا. وهذا الوجه اقتصر عليه المهايمي، وسايرناه فيه مع تفسير تتمة الآية.
ومنها: أن العود المذكور إلى ما خرج منه، وهو القرية. والمجرور حال كالسابق. أي ليكن منكم الخروج من قريتنا، أو العود إليها، كائنين في ملتنا. وعدّي (عاد) ب (في) كأن الملة لهم بمنزلة الوعاء المحيط بهم.
ومنها: أن هذا القول جار على ظنهم أنه كان في ملتهم، لسكوته قبل البعثة عن الإنكار عليهم ومنها: أنه صدر عن رؤسائهم تلبيسا على الناس، وإيهاما لأنه كان على دينهم. وما صدر عن شعيب عليه السلام كان على طريق المشاكلة.
ومنها: أن لَتَعُودُنَّ بمعنى لتصيرن. إذ كثيرا ما يرد (عاد) بمعنى (صار) ، فيعمل عمل (كان) . ولا يستدعي الرجوع إلى حالة سابقة، بل عكس ذلك، وهو الانتقال من حال سابقة، إلى حال مؤتنفة مثل (صار) . وكأنهم قالوا- والله أعلم- لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا، أو لتصيرن كفارا مثلنا.
قال الرازي: تقول العرب. قد عاد إليّ من فلان مكروه، يريدون: قد صار إليّ منه المكروه ابتداء. قال الشاعر:
فإن تكن الأيام أحسن مدة ... إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب
أراد: فقد صارت لهن ذنوب، ولم يرد أن ذنوبا كانت لهن قبل الإحسان- انتهى-.
ومنه
حديث معاذ. قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أعدت فتّانا يا معاذ؟) أي صرت.
ومنه
حديث خزيمة: عاد لها النّقاد مجرنثما. أي صار
.

الصفحة 150