كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 5)

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (7) : آية 32]
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)
قُلْ أي لهؤلاء المشركين الذين يحرّمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ أي من الثياب وسائر ما يتجمّل به الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ من النبات كالقطن والكتان، والحيوان كالحرير والصوف، والمعادن كالدروع. هكذا عمم المفسرون هنا، ووجهه أن تخصيصه يغني عنه ما مرّ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ أي المستلذات من المآكل والمشارب.
قال المهايمي: يعنى إن زعموا أن التزين والتلذذ ينافيان التذلل الذي هو العبادة، فيحرمان معها، فأعلمهم أنه قد أخرجها لعباده الذين خلقهم لعبادته ليتزينوا بها حال العبادة، فعل عبيد الملوك إذا حضروا خدمتهم، ولا ينافي ذلك تذللهم لهم، وكذلك الطيبات التي خلقها لتطييب قلوب عباده ليشكروه، والشكر عبادة، فلا ينافي التلذذ العبادة، بل قد يكون داعية إليها. انتهى.

تنبيهات
الأول- فسرت (الطيبات) ب (الحلال) ، وفسرت ب (اللحم والدسم) الذي كانوا يحرمونه أيام الحج كما تقدم، وفسرت ب (البحائر والسوائب) كما قال تعالى:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا [يونس: 59] وظاهر أن لفظ الآية أعم من ذلك، وإن كان يدخل فيه ما ذكر دخولا أوليّا، لأنها إنما وردت نعيا عليهم فيه، والعبرة بعموم اللفظ.
قال الرازي: لفظ (الزينة) يتناول جميع أنواع التزين، ومنه تنظيف البدن، ومنه المركوب، ومنه أنواع الحلي (يعني للنساء) . ثم قال: ويدخل تحت (الطيبات) كل ما يستلذ ويشتهى من أنواع المأكولات والمشروبات، ويدخل تحته التمتع بالنساء والطيب وقد رد النبي صلّى الله عليه وسلّم على عثمان بن مظعون، ما هم به من الاختصاء والتبتل.
الثاني- دلت الآية على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات الإباحة، لأن الاستفهام في مَنْ لإنكار تحريمها على وجه بليغ، لأن إنكار الفاعل يوجب إنكار الفعل لعدمه بدونه.

الصفحة 46