كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 5)

لتوفرت الهمم على نقله، ولو نقل لاشتهر. فإن كان في بعض جهلة الأغبياء من يفهم من (الاستواء) ما يوجب نقصا أو قياسا للشاهد على الغائب، وللمخلوق على الخالق- فهذا نادر. فمن نطق بذلك زجر وعلّم، وما أظن أحدا من العامة يقرّ في نفسه ذلك- والله أعلم- انتهى.
وقال الشيخ الإمام العارف قدوة العارفين، الشيخ عبد القادر الجيلانيّ قدس الله روحه في كتابه (تحفة المتقين وسبيل العارفين) في باب اختلاف المذاهب في صفات الله عزّ وجلّ، وفي ذكر اختلاف الناس في الوقف عند قوله وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] : قال إسحاق: في العلم. إلى أن قال: والله تعالى بذاته على العرش، علمه محيط بكل مكان
والوقف عند أهل الحق على قوله إِلَّا اللَّهُ. وقد روي ذلك عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا الوقف حسن لمن اعتقد أن الله بذاته على العرش، ويعلم ما في السموات والأرض. إلى أن قال: ووقف جماعة من منكري استواء الرب عزّ وجلّ على قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ وابتدءوا بقوله اسْتَوى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يريدون بذلك نفي الاستواء الذي وصف به نفسه، وهذا خطأ منهم، لأن الله تعالى استوى على العرش بذاته.
وقال في كتابه (الغنية) : أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار، فهو أن تعرف وتتيقن أن الله واحد أحد. إلى أن قال: لا يخلو من علمه مكان، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش، كما قال جل ثناؤه الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] ، وقوله ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ [الفرقان: 59] ، وقال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10] ، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم «1» حكم بإسلام الأمة لما
قال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم «2» : (في حديث أبي هريرة رضي الله
__________
(1)
أخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث 33. عن معاوية بن الحكم السلمي. ونصه هذه القصة، قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانية (موضع في شمال المدينة) فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم. آسف كما يأسفون. لكني صككتها صكة. فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال «ائتني بها» فأتيته بها. فقال لها «أين الله» ؟ قالت: في السماء. قال «من أنا» قالت: أنت رسول الله. قال «أعتقها فإنها مؤمنة»
. (2) أخرجه البخاري في: التوحيد، 55- باب قوله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، حديث 1509.

الصفحة 71