كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 5)

بحديث يرويه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] قال: استولى على جميع بريته، فلا يخلو منه مكان- فالجواب:
أن هذا حديث منكر على ابن عباس رضي الله عنهما، ونقلته مجهولة وضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان. وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف. وهم لا يقبلون أخبار الآحاد، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث، لو عقلوا وأنصفوا؟ أما سمعوا الله سبحانه حيث يقول: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً [غافر: 36- 37] ؟ فدل على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول: إلهي في السماء وفرعون يظنه كاذبا. قال الشاعر:
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحّد
مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزّته تعنو الوجوه وتسجد
وهذا الشعر لأميّة بن أبي الصّلت. وفيه يقول في وصف الملائكة:
وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه ... يعظّم ربّا فوقه ويمجّد
قال: فإن احتجوا بقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف: 84] ، وبقوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ [الأنعام: 3] ، وبقوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ [المجادلة: 7] ، وزعموا أن الله سبحانه في كل مكان بنفسه وذاته- تبارك وتعالى جدّه- قيل: لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته، فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذا قال أهل العلم بالتفسير. وظاهر هذا التنزيل يشهد أنه على العرش، فالاختلاف في ذلك ساقط، وأسعد الناس به من ساعده الظاهر. وأما قوله في الآية الأخرى:
وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ فالإجماع والاتفاق قد بيّن أن المراد أنه معبود من أهل الأرض.
فتدبر هذا فإنه قاطع.
ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع، أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم، إذا كربهم أمر، أو نزلت بهم شدة، رفعوا

الصفحة 79