كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 5)

وجوههم إلى السماء، ونصبوا أيديهم رافعين مشيرين بها إلى السماء، يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته. لأنه اضطراري لم يخالفهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم،
وقد قال صلّى الله عليه وسلّم للأمة التي أراد مولاها عتقها «1» ، إن كانت مؤمنة. فاختبرها رسول الله صلى الله على وآله وسلّم بأن قال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء. ثم قال لها: من أنا؟
قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة
. فاكتفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها برفع رأسها إلى السماء، واستغنى بذلك عما سواه.
قال: وأما احتجاجهم بقوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل في القرآن قالوا تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله. وذكر سنيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ قال: هو على عرشه، وعلمه معهم أينما كانوا. قال: وبلغني عن سفيان الثوري مثله. قال سنيد:
حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الله فوق العرش، وعلمه في كل مكان، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
ثم ساق من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى الأخرى خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله على العرش، ويعلم أعمالكم. وذكر هذا الكلام أو قريبا منه في كتاب (الاستذكار) .
وقال شيخ الإسلام تقيّ الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في (الرسالة المدنية) : إذا وصف الله نفسه بصفة أو وصفه بها رسوله صلّى الله عليه وسلّم، أو وصفه بها المؤمنون
__________
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه: في المساجد ومواضع الصلاة، حديث 33 وهو قطعة من حديث طويل ونصها: عن معاوية بن الحكم السّلميّ قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانيّة (موضع في شمال المدينة) فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم. آسف كما يأسفون. لكني صككتها صكة. فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال «ائتني بها» فأتيته بها فقال لها «أين الله» ؟ قالت: في السماء. قال «من أنا» ! قالت أنا رسول الله. قال «أعتقها فإنها مؤمنة» .

الصفحة 80