كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 5)

يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك. أين ملوك الأرض؟»
وفي الصحيحين «1» عن عبد الله بن عمر، عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك. أين الجبارون، أين المتكبرون؟» ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك. أين الجبارون، أين المتكبرون؟»
وفي لفظ «2» : ويتميل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على يمينه وعلى شماله، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفله شيء.
وفي رواية أخرى قال: قرأ على المنبر وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ...
الآية- قال: مطويّة في كفه، يرمي بها كما يرمي الغلام بالكرة
، ففي هذه الأحاديث وغيرها، المتفق على صحتها، ما يبيّن أن السماوات والأرض وما بينهما بالنسبة إلى عظمته عز وجل، أصغر من أن تكون، مع قبضه لها، إلا كالشيء الصغير في يد أحدنا، حتى يدحوها كما تدحى الكرة.
ثم قال في الجواب: فما وصف الله تعالى من نفسه وأسمائه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلّم سميناه كما سماه، ولم نتكلف علم ما سواه، فلا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف. وإذ كان كذلك، فهو قادر على أن يقبضها ويدحوها كالكرة. في ذلك من الإحاطة بها ما لا يخفى، وإن شاء لم يفعل.. وبكل حال فهو مباين لها، ليس بمجانب لها. ومن المعلوم أن الواحد منا- ولله المثل الأعلى- إذا كان عنده خردلة، إن شاء قبضها، فأحاطت بها قبضته، وإن شاء لم يقبضها، بل جعلها تحته، فهو في الحالين مباين لها، وسواء قدر أن العرش هو محيط بالمخلوقات، كإحاطة الكرة بما فيها أم قيل إنه فوقها وليس محيطا بها كوجه الأرض الذي نحن عليها بالنسبة إلى جوفها، وكالقبة بالنسبة إلى ما تحتها، أو غير ذلك- فعلى التقدير يكون العرش فوق المخلوقات، والخالق سبحانه فوقه، والعبد في توجهه إليه عزّ وجلّ، يقصد العلوّ، دون التحت.
وتمام هذا البحث بأن يقال: لا يخلو إما أن يكون العرش كريا كالأفلاك،
__________
(1) أخرجه البخاري في: التوحيد، 19- باب قوله تعالى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، حديث رقم 2600.
وأخرجه مسلم في: صفات المنافقين وأحكامهم، حديث 24 و 25. وهذا لفظ مسلم.
(2)
نصه في مسلم: حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفله شيء منه، حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله؟
وليس فيه (ويتميل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على يمينه وعلى شماله) .
[.....]

الصفحة 95