كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 5)

كان جاهلا باتفاق العقلاء، فكيف بالتوجه إلى العرش أو إلى ما فوقه! وغاية ما يقدر أن يكون كريّ الشكل، والله تعالى محيط بالمخلوقات كلها إحاطة تليق بجلاله، فإن السماوات السبع والأرض في يده أصغر من الحمصة في يد أحدنا. وأما قول القائل:
إذا كان كريّا، والله من ورائه محيط بائن عنه، فما الفائدة في التوجه إلى العلوّ دون التحت، ومع هذا نجد في قلوبنا قصد العلوّ؟ فيقال: هذا إنما ورد لتوهم أن نصف الفلك يكون تحت الأرض، وتحت ما على وجه الأرض، من الآدميين والبهائم، وهذا غلط. فلو كان الفلك تحت الأرض من جهة، لكان تحتها من كل جهة، فكان يلزم أن يكون الفلك تحت الأرض مطلقا، وهذا قلب للحقائق إذ الفلك هو فوق الأرض مطلقا، وأهل الهيئة يقولون: لو أن الأرض مخروقة إلى ناحية أرجلنا، وألقي في الخرق شيء ثقيل كالحجر ونحوه، لكان ينتهى إلى المركز، حتى لو ألقي من تلك الناحية حجر آخر، لالتقيا جميعا في المركز، الذي هو النقطة المتوسطة في كرة الأرض. ولو قدر أن إنسانين التقيا في المركز بدل الحجر، لالتقت رجلاهما، ولم يكن أحدهما تحت الآخر، بل كلاهما فوق المركز، وكلاهما تحت الفلك. وإذا كان مطلوب أحد ما فوق الفلك لم يطلبه إلا من الجهة العليا، لأن مطلوبه من تلك الجهة أقرب، لأنه لو قدر أن رجلا أو ملكا يصعد إلى السماء، كان صعوده مما يلي رأسه، ولا يقول عاقل إنه يخرق الأرض ثم يصعد من تلك الناحية، أو يذهب يمينا أو شمالا ثم يصعد.
ولو أن رجلا أراد مخاطبة القمر، فإنه لا يخاطبه إلا من الجهة العليا، مع أنه قد يشرق ويغرب، فكيف بما هو فوق كل شيء لا يأفل ولا يغيب سبحانه وتعالى. وكما أن حركة الحجر تطلب مركزها بأقصر طريق، وهو الخط المستقيم، فالطلب الإرادي الذي يقوم بقلوب العباد، كيف يعدل عن الصراط المستقيم؟.

مطلب في حديث الإدلاء
إلى أن قال:
وحدث الإدلاء، الذي رواه أبو هريرة وأبو ذر، قد رواه الترمذي وغيره «1» من
__________
(1)
رواه الترمذي في: التفسير، 57- سورة الحديد، ونصه: عن قتادة، حدثنا الحسن عن أبي هريرة قال: بينما نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب. فقال نبي الله صلّى الله عليه وسلّم «هل تدرون ما هذا» ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. قال «هذا العنان، هذه روايا الأرض، يسوقه الله تبارك وتعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه» قال «هل تدرون ما فوقكم» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال «فإنها الرقيع، سقف محفوظ وموج مكفوف» ثم قال «هل تدرون كم بينكم وبينها» ؟ قالوا: الله

الصفحة 97