كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 5)

مَا صَدَقَ قَوْمٌ قَطُّ إِلا حَازُوا النَّصْرَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا بِكَ وَاثِقُونَ. بك آمَنَّا وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَلْجَأْنَا ظُهُورَنَا. ثُمَّ نَزَلَ.
وَصَبَّحَ الْقَوْمُ الْمَدِينَةَ فَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى كَثَرَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ. وَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ مِنَ النَّوَاحِي كُلِّهَا فَلَبِسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ يَوْمَئِذٍ دِرْعَيْنِ وَجَعَلَ يَحُضُّ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ. فَجَعَلُوا يُقَاتِلُونَ. وَقُتِلَ النَّاسُ فَمَا تُرَى إِلا رَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ مُمْسِكًا بِهَا مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَحَانَتِ الظُّهْرُ فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ: احْمِ لِي ظَهْرِي حَتَّى أُصَلِّي. فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا مُتَمَكِّنًا. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ لَهُ مَوْلاهُ: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ فَعَلامَ نُقِيمُ؟ وَلِوَاؤُهُ قَائِمٌ مَا حَوْلَهُ خَمْسَةٌ. فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّمَا خَرَجْنَا عَلَى أَنْ نَمُوتَ. ثُمَّ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاةِ وَبِهِ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ فَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَنَزَعَ الدِّرْعَ وَلَبِسَ سَاعِدَيْنِ مِنْ دِيبَاجٍ ثُمَّ حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَالأَنْعَامِ الشُّرَّدِ وَأَهْلُ الشَّامِ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ. فَلَمَّا هُزِمَ النَّاسُ طَرَحَ الدِّرْعَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ سِلاحٍ وَجَعَلَ يُقَاتِلُهُمْ وَهُوَ حَاسِرٌ حَتَّى قَتَلُوهُ. ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى بَدَا سَحْرُهُ وَوَقَعَ مَيِّتًا. فَجَعَلَ مُسْرِفٌ يَطُوفُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي الْقَتْلَى وَمَعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. فَمَرَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَهُوَ مَادٌّ إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ فَقَالَ مَرْوَانُ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ نَصَبْتَهَا مَيِّتًا لَطَالَ مَا نَصَبْتَهَا حَيًّا. وَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَقَامٌ فَانْكَشَفُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ. وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَقَامٌ فَانْكَشَفُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ. وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ رَجُلانِ شُرَّعًا فِيهِ جَمِيعًا. وَحَزَّا رَأْسَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ أَحَدُهُمَا إِلَى مُسْرِفٍ وَهُوَ يَقُولُ: رَأْسُ أَمِيرِ الْقَوْمِ. فَأَوْمَأَ مُسْرِفٌ بِالسُّجُودِ وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ. قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مَالِكٌ. قَالَ: فَأَنْتَ وَلَّيْتَ قَتْلَهُ وحز رأسه؟ قال: نعم.
وجاء الآخر رجل مِنَ السُّكُونِ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ الْجَوْنِ فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ! نَحْنُ شَرَعْنَا فِيهِ رُمْحَيْنَا فَأَنْفَذْنَاهُ بِهِمَا ثُمَّ ضربناه بسيفنا حَتَّى تَثَلَّمَا مِمَّا يَلْتَقِيَانِ. قَالَ الْفَزَارِيُّ: بَاطِلٌ. قَالَ السَّكُونِيُّ فَأَحْلَفَهُ بِالطَّلاقِ وَالْحُرِّيَةِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ.
وَحَلَفَ السَّكُونِيُّ عَلَى مَا قَالَ. فَقَالَ مسرف: أمير المؤمنين يحكم في أمركما.
فأدبرهما فَقَدِمَا عَلَى يَزِيدَ بِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرَّةِ وَبِقَتْلِ ابْنِ حَنْظَلَةَ فَأَجَازَهُمَا بِجَوَائِزَ عَظِيمَةٍ وَجَعَلَهُمَا فِي شَرَفٍ مِنَ الدِّيوَانِ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْحُصَيْنِ بن نمير فقتلا في حصار ابن الزُّبَيْرِ. قَالَ وَكَانَتِ الْحَرَّةُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ كِنَانَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ

الصفحة 50