كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 5)

وكانوا من وقت تحكيمه يردون عليه ولا يرضون بفعله، فلما رجع باينوه فأتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفا، وقالوا: لا حكم إلا للَّه- وكان ذلك أول ظهورهم- ونادى مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عَبْد اللَّهِ بن الكواء اليشكري، والأمر شورى.
فبعث علي رضي الله عنه عَبْد اللَّهِ بن العباس إلى الخوارج، فقَالَ: ما نقمتم من الحكمين. أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أَحْمَد السمرقندي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن هبة اللَّه الطبري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن الفضل، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن درستويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ سِمَاكٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا اعْتَزَلَتِ الْخَوَارِجُ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَخْرُجُوا على عَلي بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه أتيته يوما قَبْلَ الظُّهْرِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَبْرِدْ بِالصَّلاةِ لَعَلِّي أَدْخُلُ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فَأُكَلِّمَهُمْ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ عَلْيَكَ، فَقُلْتُ: كَلا، وكنت حسن الخلق، لا أوذي 49/ أأحدا، فأذن لي/ فدخلت عليهم فَلَمْ أَرَ قَوْمًا أَشَدَّ مِنْهُمُ اجْتِهَادًا جِبَاهُهُمْ قَرِحَةٌ مِنَ السُّجُودِ، وَأَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا نَقْرُ الإِبِلِ [1] ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ [2] مُشَمِّرِينَ، مُشَهَّمَةٌ وَجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِابْنِ عَبَّاسٍ، مَا جَاءَ بِكَ؟ فَقَالَ:
أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمِنْ عِنْدِ صِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: لا تُخَاصِمُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 43: 58 [3] فَقَالَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ: لَنُكَلِمَنَّهُ، فَقُلْتُ: هَاتُوا مَا نَقَمْتُمْ عَلَى صِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ثَلاثًا، أَمَّا إِحْدَاهُنَّ: فَإِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ 6: 57 [4] ، فما شأن الرجال والحكم؟ فقلت: هذه
__________
[1] النقرة: داء يأخذ الدابة في أرجلها، وهي التواء العرقوبين.
[2] مرحضة: مغسولة.
[3] سورة: الزخرف، الآية: 58.
[4] سورة: يوسف، الآية: 67.

الصفحة 124