كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 5)
أَخْرُجْ وَإِنْ يَقْعُدُوا أَقْعُدْ، فَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَصْنَعُ، فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَمُشْتَبَهٌ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ مُقِيمُونَ حَتَّى يُضِيءَ لَنَا وَيُسْفِرَ.
فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِ وَأَخْبَرَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ بِالَّذِي سَمِعَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مُعْتَمِرًا مُقِيمًا عَلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ مَا خَلا النُّهُوضَ، وَكَانَ صَدُوقًا فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ عِنْدَهَا، وَأَصْبَحَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقيل له: البارحة حدث حَدَثَ وَهُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمُعَاوِيَةَ، قَالَ: وَمَا ذَلِكَ؟ فَقَالَ: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ فَأَتَى عَلَى السوق، ودعا بالظهر فحمل الرّجال وَأَعَدَّ لِكُلِّ طَرِيقٍ طُلابًا. وَمَاجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَسَمِعُتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِالَّذِي هُوَ فِيهِ، فَأَتَتْ عَلِيًّا فَقَالَتْ: مَا لَكَ لا تُزْنِدُ [1] مِنْ هَذَا الرَّجُلِ؟
وَحَدَّثَتْهُ [2] حَدِيثَهُ وَقَالَتْ: أَنَا ضَامِنَةٌ لَهُ، / فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَقَالَ: انْصَرِفُوا، إِنَّهُ عِنْدِي ثقة. 29/ ب [فَانْصَرَفُوا] [3] ،.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ [4] مُقِيمَةً بِالْمَدِينَةِ تُرِيدُ عُمْرَةَ الْمُحَرَّمِ، فَلَمَّا قَضَتْ عُمْرَتَهَا وَخَرَجَتْ سَمِعَتْ بِمَا جرى فانصرفت إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ لا تَقُولُ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَقَصَدَتِ الْحِجْرَ فَسُتِرَتْ فِيهِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ الْغَوْغَاءَ مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ وَأَهْلِ الْمِيَاهِ وَعَبِيدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اجْتَمَعُوا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْمَقْتُولِ بِالأَمْسِ، فَبَادِرُوا بِالْعُدْوَانِ فَسَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَاسْتَحَلُّوا الْبَلَدَ الْحَرَامَ، وَأَخَذُوا الْمَالَ الْحَرَامَ، فَاجْتِمَاعُكُمْ عَلَيْهِمْ يُنَكِّلُ بِهِمْ غَيْرَهُمْ، وَيُشِرِّدُ بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ: هَا أَنَا لَهَا أَوَّلُ طَالِبٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مُنْتَدَبٍ. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ [5] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَرَجَتْ عَائِشَةُ نَحْوَ الْمَدِينَةِ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَلَقِيَهَا رَجُلٌ مِنْ أَخْوَالِهَا، فَقَالَتْ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ:
قُتِلَ عُثْمَانُ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالأَمْرُ أَمْرُ الغوغاء. قالت: ما أظن
__________
[1] في الأصول: «مالك ما تزند» .
تزند: يقال: تزند فلان إذا ضاق صدره، ورجل مزند، أي: سريع الغضب.
[2] في الطبري: «إن الأمر على خلاف ما بلّغته وحدّثته» .
[3] إلى هنا الخبر في الطبري 4/ 447. وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 4/ 448.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 449.
الصفحة 79