كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 5)
مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَتَيَا عَائِشَةَ وَقَدْ عُقِرَ الْجَمَلُ، فَاحْتَمَلا الْهَوْدَجَ، فَنَحَّيَاهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: ادْخُلا بِهَا الْبَصْرَةَ، فَأَدْخِلاهَا دَارَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِيِّ. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا: أَمَرَ عَلِيٌّ نَفَرًا بِحَمْلِ الْهَوْدَجِ مِنْ بَيْنَ الْقَتْلَى، وَقَدْ كَانَ الْقَعْقَاعُ وَزُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَنْزَلاهُ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ، فَوَضَعَاهُ إِلَى جَنْبِ الْبَعِيرِ، فَأَقْبَلَ محمد بن أبي بَكْرٍ [إِلَيْهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ] [1] ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: أَخُوكِ الْبَرُّ، قَالَتْ: عققت، فأبرزوها بِهَوْدَجِهَا مِنَ الْقَتْلَى، فَوَضَعُوهَا لَيْسَ قُرْبَهَا أَحَدٌ، وكأن هودجها فرخ مقصّب [2] مما فيه من النبل. وجاء أعين بن ضبيعة المجاشعي 35/ أحتى اطَّلَعَ فِي الْهَوْدَجِ، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ لَعَنَكَ اللَّهُ، فَقَالَ: / وَاللَّهِ مَا أَرَى إِلا حُمَيْرَاءَ، قَالَتْ: هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَكَ، وَقَطَعَ يَدَكَ، وَأَبْدَى عَوْرَتَكَ. فَقُتِلَ بِالْبَصْرَةِ، وَسُلِبَ، وَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَرُمِيَ بِهِ عُرْيَانًا فِي خَرِبَةٍ مِنْ خِرَابِ الأَزْدِ، فَارْتَقَى إليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقَالَ: أَيْ أُمَّاهُ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، قَالَتْ: غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ. وحَدَّثَنَا سيف، عن الصعب بن حكيم بن شريك، عن أبيه، عن جده قَالَ [3] : انتهى مُحَمَّد بن أبي بكر إلى الهودج ومعه عمار بن ياسر، فقطعا الأنساع عن الهودج واحتملاه، فلما وضعاه أدخل مُحَمَّد يده، وقَالَ: أخوك مُحَمَّد، قالت: مذمم، قَالَ: يا أخية، هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت من ذلك فِي شيء، قَالَ: فمن إذن، الضلال؟ قالت: بل الهداة. وانتهى إليها علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقَالَ: كيف أنت يا أماه؟
قالت: بخير، قَالَ: يغفر الله لك، قالت: ولك. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [4] : لَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ خَرَجَ مُحَمَّدٌ بِعَائِشَةَ حَتَّى أَدْخَلَهَا الْبَصْرَةَ، فَأَنْزَلَهَا فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِيِّ عَلَى صَفِيَّةَ ابْنَةِ الْحَارِثِ بن طلحة، وهي أم طلحة الطّلحات.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] الفرخ: الزرع إذا تهيأ للانشقاق بعد ما يطلع. مقصب: أي ذو أنابيب.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 534.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 534.
الصفحة 92