كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 5)

مخصص وهو القديم سبحانه. قوله وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ قال السكاكي صاحب المفتاح: أي جعلنا مبدأ كل حي من هذا الجنس الذي هو جنس الماء. واعترض عليه بأنه كيف يصح ذلك وآدم من تراب والجن من نار والمشهور أن الملائكة ليست أجساما مائية؟ وأجاب بأنه يأتي في الروايات أنه جل وعز خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء، والجن من نار خلقها منه، وآدم من تراب خلقه منه. وقال صاحب الكشاف: إنما قال خلقنا كل شيء حي من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ وجوز أن لا يكون الجعل بمعنى الخلق بل يكون بمعنى التصيير متعديا إلى مفعولين، فالمعنى صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه. وقال في التفسير الكبير: اللفظ وإن كان عاما إلا أن القرينة قائمة فإن الدليل لا بد أن يكون مشاهدا محسوسا ليكون أقرب إلى المقصود، فبهذا الطريق تخرج الملائكة والجن وآدم لأن الكفار لم يروا شيئا من ذلك: قلت: فعلى هذا يكون قوله وَجَعَلْنا داخلا في حيز الاستفهام كأنه قيل:
ألم يروا أنا فتقنا السموات والأرض بعد رتقهما وجعلنا من الماء كل حيوان. ومن المفسرين من جعل الحي شاملا للنبات أيضا كقوله فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الجاثية: 5] قوله وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ قد مر تفسيره في أول «النحل» وباقي الآية كقوله في طه وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا [الآية: 53] والفجاج جمع الفج وهو الطريق الواسع وهي صفة سُبُلًا قدمت عليه فصارت حالا عنه أراد أنه حين خلقها جعلها على تلك الصفة فهذا كالبيان لما أبهم في قوله لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً [نوح: 20] والاهتداء إما حسي أي تهتدون إلى البلاد، وإما عقلي وهو الاهتداء إلى وحدانية الله تعالى. ومنهم من زعم أن الضمير في قوله وَجَعَلْنا فيها عائد إلى الجبال وهذا قول مقاتل والضحاك ورواية عطاء عن ابن عباس. وروي عن ابن عمر أنه قال: كانت الجبال منضمة فلما أغرق قوم نوح فرقها فجاجا وجعل فيها طرقا. قال علماء الإسلام: ليس في قوله وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً إن السماء للأرض كالسقف للبيت لأنها فوق لا يقابله مثله، ولكنه أطلق عليها اسم السقف لأنها كذلك في النظر بالنسبة إلى سكان كل بقعة. وفي المحفوظ وجهان: أي مَحْفُوظاً بقدرته من أن يقع على الأرض أو محفوظ بالشهب عن الشياطين. وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ فلا يتدبرون في ترتيبها ومسيراتها وطلوع أجرامها وغروبها واتصالاتها وانصرافاتها وتأثيراتها فيما دونها بإذن خالقها ومبدعها. قوله كُلٌّ فِي فَلَكٍ من مقلوب الكل. والفلك في اللغة كل شيء دائر وجمعه أفلاك. وزعم الضحاك أنه ليس بجسم وإنما هو مدار هذه النجوم. والأكثرون على أن الفلك جسم تدور النجوم عليه. ثم اختلفوا في حقيقته فقال الكلبي: ماء مكفوف أي مجموع تجري فيه الكواكب بدليل قوله يَسْبَحُونَ

الصفحة 18