كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 5)

كونها شفعاء وشهداء، ولو ذكرها ذاكر بخلاف ذلك ساءهم. وأما ذكر الرحمن الذي منه جلائل النعم ودقائقها وأصولها وفروعها فلا يخطر منهم ببال، ولو ذكره ذاكر استهزؤا به حتى إن بعضهم يقولون: ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة فهم أحق أن يتخذوا هزوا. ويحتمل أن تكون الباء للسببية أي هم كافرون بسبب ذكرهم الرحمن لا على ما ينبغي، فيكون الذكر في الموضعين بمعنى واحد. وقيل بِذِكْرِ الرَّحْمنِ أي بما أنزل إليك من القرآن وكانوا يستعجلون بعذاب الله كما يجيء من قوله وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ فقدم لذلك أولا مقدمة هي قوله خُلِقَ الْإِنْسانُ أي هذا الجنس مِنْ عَجَلٍ أراد أنه مجبول على إفراط العجلة كما مر في قوله وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا [الإسراء: 11] وعن ابن عباس أنه آدم أراد أن يقوم حين بلغ الروح صدره، وعن مجاهد أن آدم لما دخل الروح رأسه وعينيه رأى الشمس قاربت الغروب فقال: يا رب عجل خلقي قبل أن تغيب الشمس. وعن ابن عباس أيضا أنه النضر بن الحرث والأول أظهر. وقيل: العجل الطين بلغة حمير، وقال الأخفش: أي من العجل في الأمر وهو قوله كُنْ وقيل: هو على القلب أي خلق العجل من الإنسان سَأُرِيكُمْ آياتِي وهي الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة فَلا تَسْتَعْجِلُونِ فإنها كائنة لا محالة في وقتها وقيل: هي أدلة التوحيد وصدق الرسول. وقيل: آثار القرون الخالية بالشام واليمن.
سؤال: قوله خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ فيه أن الآدمي معذور على الاستعجال لأنه له كالأمر الطبيعي الذي لا بد منه، فلم رتب عليه النهي بقوله فَلا تَسْتَعْجِلُونِ؟ وأجيب بأن فيه تنبيها على أن ترك العجلة حالة شريفة وخصلة عزيزة. وقال جار الله: هذا كما ركب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها.
آخر: القوم استعجلوا الوعد على جهة التكذيب، ومن هذا حاله لا يكون مستعجلا في الحقيقة؟ أجيب بأن الاستعجال على هذا الوجه أدخل في الذم لأنه استعجال على أمر موهوم عندهم لا معلوم لَوْ يَعْلَمُ جواب «لو» محذوف وحِينَ مفعول به ل يَعْلَمُ والمعنى لو يعلمون الوقت الذي يستعجلونه وهو وقت إحاطة النار بهم، لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال. ويجوز أن يكون يَعْلَمُ متروك المفعول أي لو كانوا من أهل العلم لما كانوا مستعجلين، وعلى هذا يكون حِينَ منصوبا بمضمر أي حين لا يكفون يعلمون أنهم كانوا على الباطل، وخص الوجوه والظهور بالذكر لأن نكاية النار في هذين العضوين أشد مع أن الإحاطة التامة تفهم منهما. ثم بين أن وقت مجيء العذاب غير

الصفحة 21