كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 5)

أي كيف يعدل بكم عن طريق الحق بعد هذا البيان؟ ثم بين أنه غني عن طاعات المطيعين وأنها لا تفيد إلا أنفسهم فقال إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ قال المعتزلة: في قوله وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ دليل على أن الكفر ليس بقضائه وإلا لكان راضيا به. وأجاب الأشاعرة بأنه قد علم من اصطلاح القرآن أن العباد المضاف إلى الله أو إلى ضميره هم المؤمنون. قال وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ [الفرقان: 63] عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ [الدهر: 6] فمعنى الآية: ولا يرضى لعباده المخلصين الكفر. وهذا مما لا نزاع فيه. أو نقول: سلمنا أن كفر الكافر ليس برضا الله بمعنى أنه لا يمدحه عليه ولا يترك اللوم والاعتراض إلا أنا ندعي أنه بإرادته، وليس في الآية دليل على إبطاله. ثم بين غاية كرمه بقوله وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ والسبب في كلا الحكمين ما
جاء في الحديث القدسي «سبقت رحمتي غضبي»
وباقي الآية مذكور مرارا مع وضوحه. ثم حكى نهاية ضعف الإنسان وتناقض آرائه بقوله وَإِذا مَسَّ إلى آخره. وقد مر نظيره أيضا. وقيل: إن الإنسان هو الكافر الذي تقدّم ذكره.
وقيل: أريد أقوام معينون كعتبة بن ربيعة وغيره. ومعنى خوّله أعطاه لا لاستجرار العوض.
قال جار الله: في حقيقته وجهان: أحدهما جعله خائل مال من قولهم هو خائل مال وخال مال إذا كان متعهدا له حسن القيام به. ومنه ما
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخوّل أصحابه بالموعظة
أي يتعهد ويتكفل أحوالهم إن رأى منهم نشاطا في الوعظ وعظهم. والثاني أنه جعله يخول أي يفتخر كما قيل:
إن الغني طويل الذيل مياس ومعنى نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه، أو نسي ربه الذي كان يتضرع إليه و «ما» بمعنى «من» . والمراد أنه نسي أن لا مفزع ولا إله سواه وعاد إلى اتخاذ الأنداد مع الله. واللام في لِيُضِلَّ لام العاقبة. ثم هدّده بقوله تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ كقوله اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ [فصلت: 40] وفيه أن الكافر لا يتمتع بالدنيا إلا قليلا ثم يؤل إلى النار.
ثم أردفه بشرح حال المحقين الذين لا رجوع لهم إلا إلى الله ولا اعتماد لهم إلا على فضله فقال أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ قال ابن عباس: القنوت الطاعة. وقال ابن عمر: لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القيام. والمشهور أنه الدعاء في الصلاة والقيام بما يجب عليه من الطاعة. وعن قتادة آناءَ اللَّيْلِ أوّله ووسطه وآخره. وفيه تنبيه على فضل قيام الليل ولا يخفى أنه كذلك لبعده عن الرياء ولمزيد الحضور وفراغ الحواس من الشواغل

الصفحة 616