@ 465 @
ولا امتنان فان العطية على ذلك تجارة مربحة إن شاء الله تعالى واعتبر بما ترى من أمور الدنيا ومن مضى قبلك من أهل السلطان والرياسة في القرون الخالية والأمم البائدة ثم اعتصم في أحوالك كلها بأمر الله والوقوف عند محبته والعمل بشريعته وسنته وإقامة دينه وكتابه واجتنب ما فارق ذلك وخالف ما دعا إلى سخط الله عز وجل واعرف ما تجمع عمالك من الأموال وينفقون منها ولا تجمع حراما ولا تنفق إسرافا واكثر مجالسة العلماء ومشاورتهم ومخالطتتهم وليكن هواك اتباع السنن وإقامتها وايثار مكارم الأمور ومعاليها وليكن اكرم دخلائك وخاصتك عليك من إذا رأى عيبا فيك لم تمنعه هيبتك عن إنهاء ذلك إليك في سرك واعلانك وما فيه من النقص فان أولئك انصح أوليائك ومظاهرين لك وانظر عمالك الذين بحضرتك وكتابك فوقت لكل رجل منهم في كل يوم وقتا يدخل فيه عليك بكتبه ومؤامراته وما عنده من حوائج عمالك وأمور كورك ورعيتك ثم فرغ لما يورده عليك من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك وكرر النظر فيه والتدبر له فما كان موافقا للحق والحزم فامضه واستخر الله عز وجل فيه وما كان مخالفا لذلك فاصرفه إلى التثبت فيه والمسالة عنه ولا تمتن على رعيتك ولا غيرهم بمعروف تؤتيه إليهم ولا تقبل من أحد منهم إلا الوفاء والاستقامة والعون في أمور أمير المؤمنين ولا تضعن المعروف إلا على ذلك وتفهم كتابي إليك واكثر النظر فيه والعمل به
واستعن بالله على جميع أمورك واستخره فان الله عز وجل مع الصلاح وأهله
وليكن اعظم سيرتك وافضل عيشك ما كان فيه لله عز وجل رضا ولدينه نظاما ولأهله عزا وتمكينا وللذمة وللملة عدلا وصلاحا وانا اسأل الله أن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءتك والسلام
فما رأى الناس هذا الكتاب تنازعوه وكتبوه وشاع أمره وبلغ المأمون خبره فدعا به فقرئ عليه فقال ما أبقى أبو الطيب يعني طاهرا شيئا من أمر الدنيا والدين والتدبير والرأي والسياسة وإصلاح الملك والرعية وحفظ السلطان وطاعة الخلفاء وتقويم الخلافة إلا وقد احكم وأوصى به وأمر المأمون فكتب به إلى جميع العمال في النواحي فسار عبد الله إلى عمله فاتبع ما أمر به وعهد إليه وسار بسيرته