كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 100
جميعهم الصلاة والسلام - إلى أنه ربما يفضل البن الأب في أمر ، فربما قدم لأجله وإن كان لا يلزم منه تقديمه مطلقاً ، مع ما فيها من أمر الحرث الذي هو أنسب شيء لما بعد غيض الماء في قصة نوح عليه السلام ، هذا في أوله وأما في آخره فما يتنبه مثال للدنيا في بهجتها وغرورها ، وانقراضها ومرورها ، ومن تصريف داود عليه السلام في الجبال وهي أشد التراب الذي هو اقوى من الماء ، وفي الحديد وهو أقوى من تراب الجبال ، وسليمان عليه السلام في الريح وهي أقوى من التراب فقال : ( وداود ) أي أول من ملك ابنه من أنبياء بني إسرائيل ) وسليمان ( ابنه ، أي اذكرهما واذكر شأنهما ) إذ ) أي حين ) يحكمان في الحرث ( الذي أنبت الزرع ، وهو من إطلاق اسم السبب على المسبب كالسماء على المطر والنبت ، قيل : كان ذلك كرماً ، وقيل : زعاً ) إذ نفشت ) أي انتشرت ليلاً بغير راع ) فيه غنم القوم ( الذي لهم قوة على حفظها فرعته ؛ قال قتادة : النفش بالليل ، والهمل بالنهار .
) وكنا ) أي بعظمتنا التي لا تقر على خلاف الأولى في شرع من الشروع ) لحكمهم ) أي الحكمين والمتحاكمين إليهما ) شاهدين ( لم يغب عنا ذلك ولا شيء من أمرهم هذا ولا غيره ، فذلك غيرنا على داود عليه السلام تلك الحكومة مع كونه ولينا وهو مأجور في اجتهاده لأن الأولى خلافها ، فإنه حكم بأن يمتلك صاحب الحرث الغنم لصاحب الكرم ليرتفق بلبنها ونسلها وصوفها ومنافعها ، ويعمل صاحبها في الكرم حتى يعود كما كان فيأخذ حرثه ، وترد الغنم إلى صاحبها ، وهذا أرفق بهما .
ذا أدل دليل على ما تقدمت الإشارة إليه عند ) قل ربي يعلم القول ( ، و ) كنا به عالمين إذ قال لأبيه ( وفيه رد عليهم في غيظهم من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في تسفيه الآباء والرد عليهم كما في قصة إبراهيم عليه السلام لأنه ليس بمستنكر أن يفصل الابن أباه ولو في شيء ، والآية تدل على أن الحكم ينقض بالاجتهاد إذا ظهر ما هو أقوى منه .
ولما كان ذلك ربما أوهم شيءاً في أمر داود عليه السلام ، نفاه بقوله دالاً على أنهما على الصواب في الاجتهاد وإن كان المصيب في الحكم هو أحدهما ) وكلاً ) أي منهما ) ءاتينا ( بما لنا من العظمة ) حكماً ) أي نبوة وعملاً مؤسساً على حكمة العلم ، وهذا معنى ما قالوه في قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إن من الشعر حكماً - أي قولاً صادقاً مطابقاً للحق ) وعلماً ( مؤيداً بصالح العمل ، وعن الحسن رحمه الله : لولا هذه الآية لرأيت القضاة قد هلكوا ، ولكنه أثنى على سليمان عليه السلام بصوابه ، وعذر داود عليه