كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 104
أو حفظ أو ابتداء ، وبدأهم بمن أعاد له ما كان أعدمه من أهل ومال ، وسخر له عنصر الماء في إعادة لحمه وجلده ، لأن الإعادة هي المقصودة بالذات في هذه السورة فقال : ( وأيوب ) أي واذكر أيوب ، قالوا : وهو ابن أموص بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، وكان صاحب البثنية من بلاد الشام ، وكان الله قد بسط عليه الدنيا فشكره سبحانه ثم ابتاله فصبر ) إذ نادى ربه ( اي المحسن إليه في عافيته وضره بما آتاه من صبره ) إني مسني الضر ( بتسليطك الشيطان عليّ في بدني وأهلي ومالي وقد طمع الآن في ديني ، وذلك أنه زين لامرأة أيوب عليه السلام أن تأمره ان يذبح الصنم فإنه يبرأ ثم يتوب ، ففطن لذلك وحلف : ليضربها إن برأ ، وجزع من ذلك ، والشكوى غلى الله تعالى ليست من الجزع فلا تنافي الصبر ، وقال سفيان بن عيينة : ولا من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله تعالى .
) وأنت ) أي والحال أنك أنت ) أرحم الراحمين ( فافعل بي ما يفعل الرحمن بالمضرور ، وهذا تعريض بسؤال الرحمة حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة ، وربّه بأبلغ صفاتها ولم يصرح ، فكان ذلك ألطف في السؤال ، فهو أجدر بالنوال ) فاستجبنا له ( اي أوجدنا إجابته إيجاد من كأنه طالب لها بسبب ندائه ، هذا بعظمتنا في قدرتنا على الأمور الهائلة ، وسبب عن ذلك قوله : ( فكشفنا ) أي بما لنا من ا لعظمة ) ما به من ضر ( بأن أمرناه أن يركض برجله ، فتنبع له عين من ماء ، فيغتسل فيها ، فينبت لحمه وجلده أحسن ما كان وأصحه ودل على تعاظم هذا الأمر بقوله : ( وءاتيناه أهله ) أي أولاده وما تبعه من حشمة ، أحييناهم له بعد أن كانوا ماتوا ) ومثلهم ) أي وأوجدنا له مثلهم في الدنيا ، فإن قوله : ( معهم ( يدل على أنهم وجدوا عند وجدان الأهل ، حال كون ذلك الكشف الإيتاء ) رحمة ) أي نعمة عظيمة تدل على شرفه بما شأنه العطف والتحنن ، وهو من تسمية المسبب باسم السبب ، وفخمها بقوله : ( من عندنا ( بحيث لا يشك من ينظر ذلك أنا ما فعلناه إلا رحمة منا له وأن غيرنا لم يكن يقدر على ذلك ) وذكرى ) أي عظة عظيمة ) للعابدين ( كلهم ، ليتأسوا به فيصبروا إذا ابتلوا بفتنة الضراء ولا يظنوما أنها لهوانهم ، ويشكروا إذا ابتلوا بنعمة السراء لئلا تكون عين شقائهم ، واتبعه سبحانه بمن أنبع له من زمزم ماءً باقياً شريفاً ، إشارة إلى شرفه وشرف ولده خاتم الرسل ببقاء رسالته ومعجزته فقال : ( إسماعيل ) أي ابن إبراهيم عليه السلام الذي سخرنا له من الماء بواسطة الروح الأمين ما عاش به صغيراً بعد أن كان هالكاً لا محالة ، ثم جعناه طعام طعم وشفاء سقم دائماً ، وصناه - وهو كبير - من الذبح فذبحه أبوه واجتهد في إتلافه إمتثالاً لأمرنا فلم ينذبح كما اقتضته إرادتنا ) وإدريس ) أي ابن شيث بن آدم عليهم السلام الذي احييناه

الصفحة 104