كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 105
بعد موته ورفعناه مكاناً علياً ، وهوأول نبي بعث من بني آدم عليهما السلام ) وذا الكفل ( الذي قدرناه على النوم الذي هو الموت الأصغر ، فكان يغلبه فلا ينام أو إلا قليلاً ، يقوم الليل ولا يفتر ، ويصوم النهار ولا يفطر ، ويقضي بين الناس ولا يغضب .
فقدره الله علىالحياة الكاملة في الدنيا التي هي سبب الحياة الكاملة في الأخرى وهو خليفة اليسع عليه السلام تخلفه على أن يتكفل له بصيام النهار وقيام الليل وأن لا يغضب ، قيل : إنه ليس ببني وعن الحسن أنه نبي ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إلياس ، وقيل : هو يوشع بن نون ، وقيل : زكريا - عليهم السلام .
ولما قرن بينهم لهذه المناسبة ، استأنف مدحهم فقال : ( كل ) أي كل واحد منهم ) من الصابرين ( على ما ابتليناه به ، فآتيناهم ثواب الصابرين ) وأدخلناهم ( ودل على عظمة ما لهم عنده سبحانه بقوله : ( في رحمتنا ( ففعلنا بهم من الإحسان ما يفعله الراحم بمن يرحمه على وجه عمهم من جميع جهاتهم ، فكان ظرفاً لهم ؛ ثم علل بقوله : ( إنهم من الصالحين ( لكل ما يرضاه الحكيم منهم ، بمعنى أنهم جبلوا جبلة خير فعملوا على مقتضى ذلك ، ثم أتبعهم من هو أغرب حالاً منهم في الحفظ فقال ) وذا النون ) أي اذكره ) إذ ذهب مغاضباً ( اي على هيئة الغاضب لقومه بالهجرة عنهم ، ولربه بالخروج عنهم دون الانتظار لإذن خاص منه بالهجرة ، وروي عن الحسن أن معنى ) فظن أن لن نقدر عليه ( أن لن نعاقبه بهذا الذنب ، أي ظن أنا نفعل معه من لا يقدر ، وهو تعبير عن اللازم بالملزوم مثل التعبير عن العقوبة بالغضب ، وعن الإحسان بالرحمة وفي أمثاله كثرة ، فهو أحسن الأقوال وأقومها - رواه البهيقي في كتاب الأسماء والصفات عن قتادة عنه وعن مجاهد مثله وأسند من غير طريق عن ابن عباس رضي الله عنهما معناه ، وكذا قال الأصبهاني عنه أن معناه : لن نقضي عليه بالعقوبة ، وأنه قال أيضاً ما معناه : فظن أن لن نضيق عليه الخروج ، من القدر الذي معناه الضيق ، لا من القدرة ، ومنه
77 ( ) فقدر عليه رزقه ( ) 7
[ الفجر : 16 ] وروى البهيقي أيضاً عن الفراء نقدر بمعنى نقدر - مشدداً وبحكم ، وأنشد عن ابن الأنباري عن أبي صخر الهذلي : ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما نقدر يقع ولك الشكر ) فنادى ) أي فاقتضت حكمتنا أن عاتبناه حتى استسلم فألقى نفسه في البحر فالتقمه الحوت وغاص به إلى قرار البحر ومنعناه من أن يكون له طعاماً ، فنادى ) في الظلمات ( من بطن الحوت الذي في أسف البحر في الليل ، فهي ظلمات ثلاث - نقله ابن كثير عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم .
) أن لا إله إلا أنت ( .
ولما نزه عن الشريك عم فقال : ( سبحانك ) أي تنزهت عن كل نقص ، فلا