كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 106
يقدر على الإنجاء من مثل ما أنا فيه غيرك ؛ ثم أفصح بطلب الخلاص بقوله ناسباً إلى نفسه من النقص ما نزه الله عن مثله : ( إني كنت ) أي كوناً كبيراً ) من الظالمين ) أي في خروجي من بين قومي فبل الإذن ، فاعف عني كما هي شيمة القادرين ، ولذلك قال تعالى مسبباً عن دعائه : ( فاستجبنا له ) أي أوجدنا الإجابة إيجاد من هو طالب لها تصديقاً لظنه أن لن نعاقبه ( أنا عند ظن عبدي بي ) والآية تفهم أن شرط الكون مع من يظن الخير دوام الذكر وصدق الإلتجاء ، وقال الرازي في اللوامع : وشرط كل من يلتجىء إلى الله أن يبتدىء بالتوحيد ثم بالتسبيح والثناء ثم بالعتراف والاستغفار والاعتذار ، وهذا شرط كل دعاء - انتهى .
ولما كان التقدير : فخلصناه مما كان فيه ، عطف عليه قوله ، تنبيهاً على أنهما نعمتان لأن أمره مع صعوبته كان في غاية الغرابة : ( ونجيناه ) أي بالعظمة الباغة تنجية عظيمة ، وأنجيناه إنجاء عظيماً ) من الغم ( الذي كان ألجأه إلى المغاضبة ومن غيره ، قال الرازي : وأصل الغم الغطاء على القلب - انتهى .
فألقاه الحوت على الساحل وأظله الله بشجرة القرع .
ولما كان هذا وما تقدمه أموراً غريبة ، أشار إلى القدرة على أمثالها من جميع الممكنات ، وأن ما فعله من إكرام أنبيائه عام لأتباعهم بقوله : ( وكذلك ) أي ومثل ذلك الإنجاء العظيم الشأن والتنجية ) ننجي ( اي بمثل ذلك العظمة ) المؤمنين ( إنجاء عظيماً وننجيهم تنجية عظيمة ، ذكر التنجية أولاً يدل على مثلها ثانياً ، وذكر الإنجاء ثانياً يدل على مثله أولاً وسر ذلك الإشارة إلى شدة العناية بالمؤمنين لأنهم ليس لهم كصبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - بما أشار إليه بحديث ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ) ( يبتلى المرء على قدر دينه ) فيسلهم سبحانه من البلاء كما تسل الشعرة من العجين ، فيكون ذلك مع السرعة في لطافة وهناء - بما أشارت إليه قراءة ابن عامر وأبي بكر عن عاصم رضي الله عنه بتشديد الجيم لإدغام النون الثانية فيه ، أو يمون المعنى أن من دعا منهم بهذا الدعاء أسرع نجاته ، فإن المؤمن متى حصلت له هفوة راجع ربه فنادى معترفاً بذنبه هذا النداء ، ولاسيما إن مسه بسوط الأدب ، فبادر إليه الهرب .
الأنبياء : ( 89 - 91 ) وزكريا إذ نادى. .. . .
) وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ