كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 11
ولما اتبع ذلك قصة موسى عليه الشلام مصدرة باستفهام مقترن بواو عطف ، وأرشد ذلك إلى أن المعنى : هل تعلم له سمياً ، أي متصفاً بأوصافه أو بشيء منها له بذلك الوصف مثل فعله ، ولما كان الجواب قطعاً : لا ، ثبت أن لا متصف بشيء من أوصافه ، فعطف على هذا المقدار قصة موسى عليه السلام ، ويمون التقدير : هل علمت بما ذكرناك به في هذه الآيات أنا نريد ما هو علينا يسير بما لنا من القدرة التامة والعلم الشامل من إسعادك في الدارين تكثير أجرك ، وتفخيم أمرك ، بتكثير أتباعك ، وعطف عليه القصة شاهداً محسوساً على ما له من التصاف بما انتفى عن غيره من الأسماء الحسنى ، ولاسيما ما ذكر هنا من الاتصاف بتمام القدرة والتفرد بالعظمة ، وأهنه يعلي هذا المصطفى بإنزال هذا الذكر عليه وإيصاله منه إليه النصرة على الملوك وسائر الأضداد ، والتمكين في أقطار البلاد ، وكثرة الأتباع ، وإعزاز الأنصار والوزراء والأشياع ، وغير ذلك بمقدار ما بين ابتداء أمرهما من التفاوت ، فإن ابتداء أمر موسى عليه السلام أنه أتى النار ليُقبس أهله منها ناراً أو يجد عندها هدى .
فنح بذلك من هدى الدارين والنصرة على الأعداء كما سيقص هنا ما منح ، وهذا النبي الكريم كان ابتداء أمره أنه يذهب إلى غار حراء فيتعبد الليالي ذوات العدد ، ويتزود لذلك اجتذاباً من الحق له قبل النبوة بمدد ، تدريباً له وتقوية لقلبه ، فأتته النبوة وهو في مضمارها سائر ، وإلى أوجها بعزمه صائر بل طائر ، وموسى عليه السلام راى حين أتته النبوة آية العصا و اليد ، ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) كان قبل النبوة لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه ، كما أسنده ابن اسحاق في السيرة .
وروى مسلم وغيره عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( إني لأعرف حجراً كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث ) فقال تعالى مقرراً تنبيهاً على أنه يذكر أه منه ما يكفي في تسليته وتقوية قلبه ، وتبكيت اليهود الذين توقفوا في أمره ( صلى الله عليه وسلم ) وغشوا قريشاً حين تكلفوا طيّ شقة البين إليهم ورضوا بقولهم لهم وعليهم ليكون فائدة الاستفهام أن يفرغ أذنه الشريفة للسماع وقلبه للوعي العظيم : ( وهل أتاك ) أي يا أشرف الخلق ) حديث موسى ( نادباً إلى التأسي بموسى عليه السلام في تحمل أعباء النبوة وتكليف الرسالة والصبر على مقامات الشدائد ، وشارحاً بذكر ما في هذه السورة من سياق قصة ما أجمل منها في سورة مريم ، ومقرراً بما نظمه في أساليبها ما تقدم أنه مقصد السورة من أنه يسعده ولا يشقيه ، ويعزه على جميع شانئيه بإعزازه على أهل بلده بعد إخراجهم له ، كما أعز موسى عليه السلام من خرج من بلادهم خائفاً يترقب ، ترغيباً في

الصفحة 11