كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 112
ولما كان كأنه قيل : فماذا يفعل بهم ؟ قال ما هو غاية في الدلالة على باهر العظمة وتام القدرة ليكون أشد في الوعيد ، وصادع التهديد : ( كل ) أي من هذه الفرق وإن بالغ في التمرد ) إلينا ( على عظمتنا التي لا يكافئها شيء ، لا إلى غيرنا ) راجعون ( فنحكم بينهم فيتسبب عن ذلك أنا نجازيهم إقامة للعدل فنعطي كلاًّ من المحق التابع لأصفيائنا والمبطل المائل إلى الشياطين أعدائنا ما يستحقه ، وذلك هو معنى قوله تعالى ، فارقاً بين المحسن والمسيء تحقيقاً للعدل وتشويقاً بالفضل : ( فمن يعمل ) أي منهم الآن من ) الصالحات وهو ) أي والحال أنه ) مؤمن ) أي بان لعمله على الأساس الصحيح ) فلا كفران ) أي إبطال بالتغطية ) لسعيه ( بل نحن نجزيه عليه بما يستحقه ونزيده من فضلنا ) وإنا له ) أي لسعيه الآن على عظمتنا ) كاتبون ( وما كتبناه فهو غير ضائع ، بل باق ، لنطلعه على يوم الجزاء بعد أن نعطيه قدرة على تذكره ، فلا يفقد منه شيئاً قل أو جل ، ومن المعلوم أن قسمية ( ومن يعمل من السيئات وهو كافر فلا نقيم له وزناً ) و ( من عمل منها وهو مؤمن فهو في مشيئتنا ) ، ولعله حذف هذين القسمين ترغيباً في الإيمان .
ولما كان هذا غير صريح في ان هذا الرجوع بعد الموت ، بينه بقوله : ( وحرام ) أي وممنوع ومحجور ) على قرية ) أي أهلها ) أهلكناها ) أي بالموت بعظمتنا ) أنهم لا يرجعون ) أي إلينا بأن يذهبوا تحت التراب باطلاً من غير إحساس ، بل إلينا بموتهم رجعوا فحبسناهم في البرزخ منعمين أو معذبين نعيماً وعذاباً دون النعيم والعذاب الأكبر ، ولقد دل على قدرته قوله : ( حتى إذا فتحت ( بفتح السد الذي تقدم وصفنا له ، وأن فتحه لا بد منه وقراءة ابن عامر بالتشديد تدل على كثرة التفتيح أو على كثرة الخارجين من الفتح وإن كان فرحة واحدة كما أشار إطلاق قراءة الجماعة بالتخفيف ) يأجوج ومأجوج ( فخرجوا على الناس ؛ وعبر عن كثرتهم التي لا يعلمها إلا هو سبحانه بقوله : ( وهم ) أي والحال أنهم ) من كل حدب ) أي نشز عال من الأرض ) ينسلون ) أي يسرعون ، من النسلان وهو تقارب الخطا مع السرعة كمشي الذئب ، وفي العبارة إيماء إلى أن الأرض كرية ) واقتر الوعد الحق ( وهو حشر الأموات الذي يطابقه الواقع ، إذا وجد قرباً عظيماً ، كأن الوعد طالب له ومجتهد فيه .
ولما دلت صيغة ( افتعل ) على شدة القرب كما في الحديث أن الساعة إذ ذاك مثل الحامل المتمّ ، علم أن التقدير جواباً لإذا : كان ذلك الوعد فقام الناس من قبورهم : ( فإذا هي شاخصة ) أي واقفة جامدة لا تطرف لما دهمهم من الشدة ، ويجوز وهو أقرب أن تكون إذا هذه الفجائية هي جواب إذا الشرطية ، وهي تقع في المجازات سادة مسد الفاء ، فإذا جاءت الفاء معها متفاوتة على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ، فالمعنى :