كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 12
الهجرة ثالثاً بعد ما رغب فيها أولاً بقصة أصحاب الكهف وثانياً بقصة أبيه إبراهيم عليه السلام ، وأنه يعلي قومه على جميع أهل الأرض ، وينقذهم به بعد ضعفهم من كل شدة ويغني فقرهم ويجعلهم ملوك الأرض ، يذل بهم الجبابرة ، ويهلك من علم شقاوته منهم كما فعل بقوم موسى ، وأشار بإنحناء موسى عليه السلام على يد عدوه وإلقاءه المحبة عليه وهداية السحرة دون فرعون وقومه ، وعبادة بني إسرائيل العجل بعد ما رأوا من الآيات والنعم والنقم ، ثم رجوعهم عنها إلى عظيم قدرته على التصرف في القلوب لمن كان يبخع نفسه لكفرهم بهذا الحديث أسفاً ، وكذا ما في قصة آدم عليه السلام من قوله
77 ( ) فنسي ولم نجد له عزماً ( ) 7
[ طه : 115 ] وقوله
77 ( ) ثم اجتباه ربه فتاب عليهه وهدى ( ) 7
طه : 122 ] ولعله أشار بقوله
77 ( ) واحلل عقدة من لساني ( ) 7
[ طه : 27 ] إلى ما أنعم الله به عليه من تسير هذا الذكر بلسانه ، وأرشد بدعاء موسى عليه السلام بشرح الصدر وتيسير الأمر وطلب وزيراً من أهله إلى الدعاء بمثل ذلك حتى دعا المنزل عليه هذا القرآن بأن يؤيد الله الدين بأحد الرجلين ، فأيده بأعظم ويزير : عمر بن الخطاب رضي الله عنه - كما مضى هذا إلى تمام ما اشتمل عليه سياق قصة موسى عليه السلام هنا ، إتماماً لتبكيت اليهود على تعليمهم قريشاً أن يسألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الروح ، وما ذكر معها من دقائق ، من أمر قصة نبيهم ( صلى الله عليه وسلم ) ، لا يعلمها أحد منهم أو إلا حذّاقهم ، منها أن الموعد كان يوم الزينة ، ومنها إيمان السحرة إيماناً كاملاً ، ومنها التهديد بتصليبهم في جذوع النخل ، ومنها إلقاء السامري لأثر الرسول ، فإني لم أر أحداً من اليهود يعرف ذلك ، وأخبرني بعض فضلائهم أنه لا ذكر لذلك عندهم .
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في بر هانه : لما ذكر سبحانه قصة إبراهيم عليه السلام وما منحه وأعطاه ، وقصص الأنبياء بعده بما خصهم به ، وأعقب ذلك بقوله تعالى
77 ( ) أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبين من ذرية أدم ( ) 7
[ مريم : 58 ] وكان ظاهر الكلام تخصيص هؤلاء بهذه المناصب العلية ، والدرجات المنفية الجليلة لاسيما وقد اتبع ذلك بقوله
77 ( ) فخلف من بعدهم أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً ( ) 7
[ مريم : 59 ] كان هذا مظنه إشفاق وخوف فاتبعه تعالى بملاطفة نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ملاطفة المحبوب المقرب المجتبى فقال
77 ( ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( ) 7
وأيضاً فقد ختمت سورة مريم يقوله
77 ( ) وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً ( ) 7
بعد قوله
77 ( ) وتنذر به قوماً لداً ( ) 7
وقد رأى عليه الصلاة والسلام من تأخر قريش عن الإسالم ولددها ما أوجب إشفاقه وخوفه عليهم .
ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام يحزنه تأخير إيمانهم ، ولذلك قيل له
77 ( ) فلا تحزن عليهم ( ) 7
كأنه عليه الصلاة والسلام

الصفحة 12