كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 125
ولما كان ما ذكر في هذه السورة من الحكم والدلائل والقصص واعظاً شافياً حكيماً ، ومرشداً هادياً عليماً ، قال واصلاً بما تقدم إشارة غلى أنه نتيجة : ( إن في هذا ) أي الذي ذكرناه هنا من الأدلة على قدرتنا على قيام الساعة وغيرها من الممكنات ، وعلى أن من ادعى علينا أمراً فأيدناه عليه وجعلنا العاقبة له فيه فهو صادق محق ، وخصمه كاذب مبطل ) لبلاغاً ( لأمراً عظيماً كافياً في البلوغ إلى معرفة الحق فيما ذكرناه من قيام الساعة والوحدانية وجميع ما تحصل به البعثة ) لقوم ) أي لأناس أقوياء على ما يقصدونه ) عابدين ) أي معترفين بالعبودية لربهم الذي خلقهم اعترافاً تطابقه الأفعال بغاية الجد والنشاط .
ولما كان هذا مشيراً غلى رشادهم ، فكان التقدير : فما أرسلناك إلا لإسعادهم والكفاية لهم في البلاغ إلى جنات النعيم ، عطف عليه ما يفهم سبب التأخير لإنجاز ما يستعجله غير العابدين من العذاب فقال : ( وما أرسلناك ) أي بعظمتنا العامة على حالة من الأحوال ) إلا ( على حال كونك ) رحمة للعالمين ( كلهم ، أهل السماوات وأهل الأرض من الجن والأنس وغيرهم ، طائعهم بالثواب ، وعاصيهم بتأخير العقاب ، الذي كنا نستأصل به الأمم ، فنحن نمهلهم ونترفق بهم ، إظهاراً لشرفك وإعلاء لقدرك ، حتى نبين أنهم مع كثرتهم وقوتهم وشوكتهم وشدة تمالئهم عليك لا يصلون إلى ما يريدون منك ، ثم نرد كثيراً منهم إلى دينك ، ونجعلهم من أكابر أنصارك وأعاظم أعوانك ، بعد طول ارتكابهم الضلال ، وارتباكهم في أشراك المحال ، وإيضاعهم في الجدال والمحال ، فيلعم قطعاً أنه لا ناصر لك إلا الله الذي يعلم القول في السماء والأرض ، ومن أعظم ما يظهر فيه الشرف في عموم الرحمة وقت الشفاعة العظمى يوم يجمع الأولون والآخرون ، وتقوم ا لملائكة صفوفاً والثقلان وسطهم ، ويموج بعضهم في بعض من شدة ما هم فيه ، يطلبون من يشفع لهم في أن يحاسبوا ليستريحوا من ذلك الكرب أما إلى جنة أو نار ، فيقصدون أكابر الأنبياء نبياً نبياً عليهم الصلاة والسلام ، والتحية والإكرام ، فيحيل بعضهم على بعض ، وكل منهم يقول : لست لها ، حتى يأتوه ( صلى الله عليه وسلم ) فيقول : ( أنا لها ، ) ويقوم ومعه لواء الحمد فيشفعه الله وهو المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون وقد سبقت أكثر الحديث بذلك في سورة غافر عند
77 ( ) ولا شفيع يطاع ( ) 7
[ الآية : 18 ] .
ولما كان البلاغ الذي رتب هذا لأجله هو التوحيد الملزوم لتمام القدرة ، أتبع الإشارة إلى تأخيرهم غلإيمان إلى تحذيرهم فقال : ( قل ) أي لكل من يمكنك له القول :