كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 126
) إنما يوحى إليّ ( اي ممن لا موحي بالخير سواه وهو الله الذي خصني بهذا الكتاب المعجز ) أنما إلهكم ( .
ولما كان المراد إثبات الوحدانية ، لإله مجمع على إلهيته منه ومنهم ، كرر ذكر الإله فقال : ( إله واحد ( لا شريك له ، لم يوح إليّ في أمر الإله إلا الوحداينة ، وما إلهكم إلا واحد لمن يوح إليّ فيما تدعون من الشركة غير ذلك ، فالأول من قصر الصفة على الموصوف ، أي الحكم على الشيء ، أي الموحي به إليّ مقصور على الوحدانية لا يتعداها إلى الشركة ، والثاني من قصر الموصوف على الصفة ، أي الإله مقصور على الوحدة لا يتجاوزها إلى التعدد ، والمخاطب بهما من يعتقد الشركة ، فهو قصر قلب .
ولما انضم إلى ما مضى من الأدلة العقلية في أمر الوحدانية هذا الدليل السمعي ، وكان ذلك موجباً لأن يخشى إيجاز ما توعدهم به فيخلصوا العبادة لله ، أشار إلى ذلك مرهباً ومرغباً بقوله : ( فهل أنتم مسلمون ( اي مذعنون له ملقون إليه مقاليدكم متخلون عن جميع ما تدعونه من دونه لتسلموا من عذابه وتفوزوا بثوابه ، ففي الآية أن هذه الوحدانية يصح أن يكون طريقها السمع .
ولما كان توليهم بعد هذه القواطع مستبعد ، أشار إلى ذلك بإيراده بأداة الشك فقال : ( فإن تولوا ) أي لم يقبلوا ما دعوتهم إليه ) فقل ) أي لهم : ( ءاذنتكم ) أي أعلمتكم ببراءتي منكم وأني غير راجع إليكم أبداً كما أنكم تبرأتم مني ولم ترجعوا إليّ ، فصار علمكم أن لا صلح بيننا مع التولي كعلمي وعلم من اتبعني .
لتتأهبوا لجميع ما تظنونه ينفعكم ، فهو كمن بينه وبين أعدائه هدنة فأحس منهم بغدره ، فنبذ غليهم العهد ، شهر ذلك النبذ وأشاعه فلم يخفه عن أحد منهم ، وهو مما اشتهر أنه بلغ النهاية في الفصاحة والوجازة ، أو أبلغتكم جميع ما أرسلت به ولم أخص به أحداً دون أحد ، وهذا كله معنى ) على سواء ) أي إيذاناً مستعلياً على أمر نصف وطريق عدل ، ليس فيه شيء من خفاء ولا غش ولا خداع ولا عذر ، بل نستوي فيه نحن وأنتم .
ولما كان من لازم البراءة من شخص الإيقاع به كان موضع أن يقولوا هزؤاً على عادتهم : نبذت إلينا على سواء فعجل لنا ما تتوعدنا به ، فقال : ( وإن ) أي وما ) أدري أقريب ( جداً بحيث يكون قربه على ما تتعارفونه ) أم بعيد ما توعدون ( من عذاب الله في الدنيا بأيدي المسلمين أو بغيره ، أو في الآخرة مع العلم بأنه كائن لا محالةن وأنه لا بد أن يلحق من أعراض الله الذل والصغار .
ولما كان من المقطوع به من كون الشك إنما هو في القرب أو البعد أن يكون

الصفحة 126