كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 127
التقدير : لكنه محقق الوجود ، لأن الله واحد لا شريك له ، وقريب عند الله ، لأن كل ما حقق إيجاده قريب ، علله بقوله : ( إنه ) أي الله تعالى ) يعلم الجهر ( لما كان الجهر قد يكون في الأفعال ، بينه بقوله : ( من القول ( مما تجاهرونه به من العظائم وغير ذلك ، ونبه الله تعالى على ذلك لأن من أحوال الجهر أن ترتفع الأصوات جداً بحيث تختلط ولا يميز بينها ولا يعرف كثير من حاضريها ما قاله أكثر القائلين ، فأعلم سبحانه أنه لا يشغله صوت عن آخر ولا يفوته شيء عن ذلك ولو كثر ) ويعلم ما تكتمون ( مما تضمرونه من المخازي كما قال تعالى أولها ) قل ربي يعلم القول في السماء والأرض ( ومن لازم ذلك المجازاة عليه بما يحق لكم من تعجيل وتأجيل ، فستعلمون كيف يخيب ظنونكم ويحقق ما أقول ، فتقطعون بأني صادق عليه ولست بساحر ، ولا حالم ولا كاذب ولا شاعر ، فهو من أبلغ التهديد فإنه لا أعظم من التهديد بالعلم .
ولما كان الإمهال قد يكون نعمة ، وقد يكون نقمة ، قال : ( وإن ( وما ) أدري ) أي ايكون تأخير عذابكم نعمة لكم كما تظنون أو لا .
ولما كان إلى كونه نقمة أقرب ، قال معبراً عما قدرته : ( لعله ) أي تأخير العذاب وإيهام الوقت ) فتنة لكم ) أي اختبار من الله ليظهر ما يعلمه منكم من الشر لغيره ، لأن حالكم حال من يتوقع منه ذلك ) ومتاع ( لكم تتمتعون به ) إلى حين ) أي بلوغ مدة آجالكم التي ضربها لكم في الأزل ، ثم يأخذكم بغتة أخة يستأصلكم بها .
ولما كان اللازم من هذه الآيات تجويز أمور تهم سامعها وتقلقه للعلم بأن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء من عدل وفضل ، وكان من العدل جواز تعذيب الطائع وتنعيم العاصي ، كان كأنه قيل : فما قال الرسول الشفوق على الأمة حين سمع هذا الخطاب ؟ فقيل : قال مبتهلاً غلى الله تعالى - هذا على قراءة حفص .
وعلى قراءة حفص ، وعلى قراءة الجمهور : لما علم سبحانه أن ذلك مقلق ، أمره ( صلى الله عليه وسلم ) بما يرجى من يقلق من أتباعه فقال : ( قل رب ) أي ايها المحسن إلي في نفسي واتباعي بامتثال أوامرك واجتناب نواهيك ) احكم ) أي أنجز الحكم بيني وبين هؤلاء المخالفين ) بالحق ) أي بالأمر الذي يحق لكل منا من نصر وخذلان على ما أجريته من سنتك القديمة في أوليائك وأعدائك
77 ( ) ما ننزل الملائكة إلا بالحق ( ) 7
[ الحجر : 8 ] أي الأمر الفصل الناجز ، قال ابن كثير : وعن مالك عن زيد بن أسلم : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا شهد قتالاً قال ) رب احكم بالحق ( .
وفي الآية أعظم حث على لزوم الإنسان بالحق ليتأهل لهذه الدعوة .