كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 128
ولما كان التقدير : فربنا المنتقم الجبار له أن يفعل ما يشاء وهو قادر على ما توعدون ، عطف عليه قوله : ( وربنا ) أي المحسن إلينا أجمعين ؛ ثم وصفه بقوله : ( الرحمن ) أي العام الرحمة لنا ولكم بإدرار النعم علينا ، ولولا عموم رحمته لأهلكنا أجمعين وإن كنا نحن أطعناه ، لأنا لا نقدره حق قدره ) لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ( والحاصل أنه لما سال ) الحق ( المراد به الهلاك للعدو والنجاة للولي ، أفرد الإضافة إشارة إلى تخصيصه بالفضل ، وإفرادهم بالعدل ، ولما سأل العون عن بالإضافة والصفة قنوعاً بترجيح جانبه بالعون وإن شملتم الرحمة ، ولأن من رحمتهم خليتهم عما هم عليه من الشر فقال : ( المستعان ) أي المطلوب منه العون وهو خبر مبتدأ موصوف ) على ما تصفون ( مما هو ناشىء عن غفلتكم الناشئة عن إعراضكم عن هذا الذكر من الاستهزاء والقذف بالسحر وغيره ، والمناصبة بالعداوة والتوعد بكل شر ، فقد انطبق آخر السورة على أولها بذكر الساعة رداً على قوله ) اقترب للناس حسابهم ( وذكر غفلتهم وإعراضهم وذكر القرآن الذي هو البلاغ ، وذكر الرسالة بالرحمة لمن نسبوه إلى السحر وغيره ، وتفصيل ما استعجلوا به من آيات الأولين وغير ذلك ، وقام الدليل بالسمع بعد العقل على تحقق أمر الساعة بأنه سبحانه لا شريك له يمنعه من ذلك ، وأنه يعلم السر وأخفىن وهو الرحمن ، فمن رحمته إيجاد يوم الدين ليجازي فيه المحسن بإحسانه ، والمسيء بكفرانه ، وفي ذلك أعظم ترهيب في أعلى حاث على التقوى للنجاة في ذلك اليوم ، وهو أول التي تليها - والله الموفق .
.. .. .