كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 132
في الزلزلة ) ترونها ( وقال في ) السكر ( : ( وترى الناس سكارى ) أي لما هم فيه من الدهش والحيرة والبهت لما شاهدوا من حجاب العز وسلطان الجبروت وسرادق الكبرياء ، ثم دل على أن ذلك ليس على حقيقته بقوله ، نافياً لما يظن إثباته بالجملة الأولى : ( وما هم بسكارى ) أي من الخمر .
ولما نفى أن يكونوا سكارى من الخمر ، أثبت ما أوجب لهم تلك الحالة فقال : ( ولكن عذاب الله ( ذي العز والجبروت ) شديد ( فهو الذي وجب أن يظن بهم السكر ، لأنه أذهب خوفه حولهم ، وطير هوله عقولهم .
ولما أفهم العطف الآتي أن الناس قسمان ، وأن التقدير : فإن منكم من يؤمن فبتقي فينجو من شر ذلك اليوم الذي اقتضت الحكمة إظهار العظمة فيه ليزداد حزب الله فرحاً ، وحزب الشيطان غماً وترحاً ، عطف عليه قوله : ( ومن الناس ) أي المذبذبين المضطربين ) من ( لا يسعى في إعلاء نفسه وتهذيباً فيكذب فيوبق بسوء أعماله ، لأنه ) يجادل في الله ) أي في قدرة الملك الأعظم على ذلك اليوم وفي غير ذلمك من شؤونه بعد أن جاءه العلم بها اجتراء على سلطانه العظيم ) بغير علم ( بل بالباطل الذي هو جهل صرف ، فيترك اتباع الهداة النصحاء ) ويتبع ( بغاية جهده في جداله ) كل شيطان ) أي محترق بالشر مبعد باللعن .
ولما كان السياق لذم متبعه ، أشار إلى أنه لا قصد له في اتباعه إلا الشر ، لأنه لا لبس في أمره بصيغة المبالغة كما مضى في النساء ويأتي في الصافات ، فقال : ( مريد ) أي متجرد للفساد لا شغل غيره ، فهو في غاية الضراوة عليه ، قال البيضاوي : وأصله العرى ) كتب ) أي قضى وقدر على سبيل الحتم الذي لا بد منه ، تعبير باللازم عن الملزوم ) عليه ) أي على ذلك الشيطان ) أنه من تولاه ) أي فعل معه فعل الولي مع وليه ، باتباعه والإقبال على ما يزينه ) فإنه يضله ( بما يبغض إليه من الطاعات فيخطىء سبيل الخير .
ولما نفّر عن توليه بإضلاله لأن الضلال مكروه إلى كل أحد ، بين أنه إضلال لا هدى معه أصلاً فقال : ( ويهديه ) أي بما يزين له من الشهوات ، الحاملة على الزلات ، إعلاماً بأنه إن كان له هدى إلى شيء فهو ) إلى عذاب السعير ( .
ولما حذر الناس من ذلك اليوم ، وأخبر أن منهم من يكذب ، وعرف بمآله ، فأفهخم ذلك أن منهم من يصدق به فيكون له ضد حاله ، وكان كثير من المصدقين يعملون عمل المكذبين ، أقبل عليهم سبحانه إقبالاً ثانياً رحمة لهم ، منبهاً على أنه ينبغي أن لا يكون عندهم نوع من الشك في ذلك اليوم لما عليه من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم ، فقال دالاً عليه بالأمرين : ( يا أيها