كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 133
الناس ) أي كافة ، ويجوز أن يراد المنكر فقط ، وعبر بالناس الذي هو من أسفل الأوصاف لذلك ، وإشارة إلى أن المنكر والعامل عمله - وإن كان مصدقاً - هم أكثر الناس ، وعبر بأداة الشك إشارة إلى أن الذي يقتضيه الحال جزمهم به فقال : ( إن ( وبين أنه ما عبر به إلا للتوبيخ ، لا للشك في أمرهم ، بجعل الشرط ماضياً ، ودل ب ( كان ) وبالظرف على ما تمكن الريب منهم فقال : ( كنتم في ريب ) أي شك وتهمة وحاجة إلى البيان ) من البعث ( وهو قيام الأجسام بأرواحها كما كانت قبل مماتتها سواء ، استعظاماً لأن نقدر عليه ) فإنا خلقناكم ( بقدرتنا التي لا يتعاظمها شيء ) من تراب ( لم يسبق له اتصاف بالحياة ) ثم من نطفة ( حالها ابعد شيء عن حال التراب ، فإنها بيضاء سائلة لزجة صافية كما قال
77 ( ) من ماء دافق ( ) 7
واصلها الماء القليل - قاله البغوي .
وأصل النطف الصب - قاله البيضاوي .
) ثم من علقة ) أي قطعة دم حمراء جامدة ، ليس فيها أهلية للسيلان ) ثم من مضغة ) أي قطعة لحم صغيرة جداً تطورت إليها النطفة ) مخلقة ( بخلقة الآدمي التمام ) وغير مخلقة ) أي أنشأناكم من تراب يكون هذا شأنه ، وهو أنا ننقله في هذه الأطوار إلى أن يصير مضغة ، فتارة يخلقها ويمون منها آدمياً ، وتارة لا يخلقها بل يخرجها من الرحم فاسدة ، أو تحرقها حرارته ، أو غير مخلقة تخليقاً تاماً بل ناقصاً مع وجود الروح كشق الذي كان شق آدمي ، وسطيح الذي كان علواً بلا سفل ونحوهما ) لنبين لكم ( كمال قدرتنا ، وتمام حكمتنا ، وأن ذلك ليس كائناً عن الطبيعة ، لأنه لو كان عنها لم يختلف ، فدل اختلافه على أنه عن فاعل مختار ، قادر قهار ، وحذف المفعول إشارة إلى أنه يدخل فيه كل مل يمكن أن يحيط به العقول .
ولما : ان التقدير : فنجهض منه مل لا نشاء إتمامه ، عطف عليه قوله : ( ونقر في الأرحام ) أي من ذلك الذي خلقناه ) ما نشاء ( إتمامه ) إلى أجل مسمى ( قدرناه لإتمامه ما بين ستة أشهر إلى ما نريد من الزيادة على ذلك ، بحسب قوة الأرحام وضعفها ، وقوة المخلقات وضعفها وكثرة ما تغتذيه من الدماء وقلته ، وزكائه وخبثه ، إلى غير ذلك من أحوال وشؤون لا يعلمها إلا بارئها ، جلت قدرته ، وتعالت عظمته ، وأما ما لم نشأ إتمامه فإن الأرحام تمجه بقدرتنا وتلقيه دون التمام أو تحرقه فيضمحل ) ثم نخرجكم ( بعد ذلك ) طفلاً ) أي في حال الطفولة من صغر الجثة وضعف البدن والسمع والبصر وجميع الحواس ، لئلا تهلكوا أمهاتكم بكبر أجرامكم ، وعظم أجسامكم ، وهو يقع على جميع ، وعبر به دونه للتساوي في ضعف الظاهر والباطن .
ولما ذكر أضعف الضعف ذكر أقوى القوة عاطفاً له عليه لما بينهما من المهلة بأداة التراخي فقال : ( ثم ) أي نمد أجلكم ) لتبلغوا ( بالانتقال في أسنان الأجسام فيما بين

الصفحة 133