كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 134
الرضاع ، إلى حال اليفاع ، إلى زمان الاحتلام ، وقوة الشباب والتمام ) أشدكم ) أي نهاية كل شدة قدرناه لكل واحد منكم ) ومنكم من يتوفى ( قبل ما بعد ذلك من سن الشيخوخة ) ومنكم من يرد ( بالشيخوخة ، وبناه للمجهول إشارة إلى سهولته عليه مع استبعاده لولا تكرر المشاهدة عند الناظر لتلك القوة والنشاط وحسن التواصل بين أعضائه والارتباط ) إلى أرذل العمر ( وهو سن الهرم فينقص جميع قواه ) لكيلا يعلم ( .
ولما كان السياق للقدرة على البعث الذي هو التحويل من حال الجمادية إلى ضده بغاية السرعة ، أثبت ( من ) الابتدائية للدلالة على قرب زمن الجهل من زمن العلم ، فربما بات الإنسان في غاية الاستحضار لما يعلم والحذق فيه فعاد في صبيحة ليلته أو بعد أيام يسيرة جداً من غير كبير تدريج لا يعلم شيئاً ، وأفهم غسقاط حرف الانتهاء أنه ربما عاد إليه علمه ، وربما اتصل جهله بالموت بخلاف ما مضى في النحل فقال : ( من بعد علم ( كان أوتيه ) شيئاً ( بل يصير كما كان طفلاً في ضعف الجواهر والأعراض ، لتعلموا أن ذلك كله فعل غلإله الواحد المختار ، وأنه لو كان فعل الطبيعة لازداد بطول البقاء نمواً في جميع ذلك ، وقد علم - بعود الإنسان في ذهاب العلم وصغر الجسم إلى نحو ما كان عليه في ابتداء الخلق - قطعاً أن الذي أعاده إلى ذلك قادر على إعادته بعد الممات ، والكون على حال الرفات .
ولما تم هذا الدليل على الساعة محكم المقدمات واضح النتائج ، وكان أول الإيجاد فيه غير مشاهد فعبر عنه بما يليق به ، أتبعه دليلاً آخر محسوساً ، وعطفه على ما أرشد إليه التقدير من نحو قوله : تجدون أيها الناس ما ذكناه في أنفسكم ، فقال : ( وترى ( فعبر بالرؤية ) الأرض ( ولما كان في سياق البعث ، عبر بما هو أقرب إلى الموت فقال : ( هامدة ) أي يابسة مطمئنة ساكنة سكون الميت ليس بها شيء من نبت ، ولعله أفرد الضمير توجيهاً إلى كل من يصلح أن يخاطب بذلك ) فإذا ) أي فننزل عليها ماء من مكان لا يوجد فيه ثم ينزل منه بقدرة عظيمة وقهر باهر ، فإذا ) أنزلنا ( بما لنا من العظمة ) عليها الماء اهتزت ( اي تحركت بنجوم النبات اهتزاز الحي ، وتأهلت لإخراجه ؛ قال الرازي : والاهتزاز : شدة الحركوة في الجهات المختلفة .
) وربت ) أي انتفخت ، وذلك أول ما يظهر منها للعين وزادت ونمت بما يخرج منهاا من النبات الناشىء عن التراب والماء ) وأنبتت ( بتقديرنا ) من كل زوج ) أي صنف عادلناه بصنف آخر جعلناه تمام نفعه به ) بهيج ) أي مؤنق من أشتات النباتاتفي اختلاف ألوانها وطعومها ، وورائحها وأشكالها ، ومنافعها ومقاديرها رائقة المناظر ، لائقة في العيون والبصائر ، قال الرازي : فكما أن النبات يتوجه من نقص إلى كمال ، فكذلك الآدمي

الصفحة 134