كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 137
والتجدد بما أمر به الإله الأعظم من طاعته ) على حرف ( فهو مزلزل كزلزلة من يكون على حرف شفير أو جبل أو غيره ، لا استقرار له ، وكالذي على طرف من العسكر ، فإن رأى غنيمة قر ، وإن توهم خوفاً طار وفر ، وذلك معنى قوله : ( فإن أصابته فتنة ( اي مصبية ولو قلت - بما يشير إليه التأنيث - في جسده أو معيشته يختبر بها ويظهر خبأة للناس ) انقلب على وجهه ( لتهيئة للانقلاب بكونه على شفا جرف فسقط عن ذلك الطرف من الدين سقوطاً لا رجوع له بعد إليه وجوع له بعده إليه ولا حركة له معه ، فإن الإنسان مطبوع على المدافعة بكل عضو من أعضائه عن وجهه فلا يمكن منه إلا بعد نهاية العجز ، والمعنى أنه رجع إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر أو الشك رجوعاً متمكناً ، وهذا بخلاف الراسخ في إيمانه ، فإنه إن أصابته سراء شكر ، وإن أصابته ضراء حمد وصبر ، فكل قضاء الله له خير .
ولما كان انقلاب هذا مفسداً لآخرته بما ناله من الوزر ، وغي نافع له في استدراك ما فاته من الدنيا ، كانت فذلكة ذلك قوله : ( خسر الدنيا ) أي بسبب أن ذلك لا يرد ما فاته منها ويكون سبب التقتير عليه وذهاب بركته
77 ( ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( ) 7
[ المائدة : 66 ] ( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) ) والآخرة ( بفوات أجر الصبر وحصول إثم الجزع : ثم عظم مصيبته بقوله : ( ذلك ) أي الأمر العظيم ) هو ) أي لا غير ) الخسران المبين ( ورى البخاري في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال : كان الرجل يقدم المدينة ، فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال : هذا دين صالح ، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء ثم بين هذا الخسران الذي رده إلى ما كان فيه قبل الإيمان الحرفي بقوله : ( يدعو ) أي يعبد حقيقة أومجازاً مع التجدد والاستمرار بالاعتماد على غير الله ومنابذة
77 ( ) وإياك نستعين ( ) 7
[ الفاتحة : 5 ] .
ولما كان كل ما سوى الله دنه ، نبه على ذلك بقوله : ( من دون الله ) أي عن أدنى رتبة من رتب المستجمع لصفات الكمال .
ولما كان المتضي للعبادة إنما هو الفعل بالاختيار ، وأما الفعل الذي يقتضيه الطبع والقسر عليه فلا عبرة به في ذلك ، فإنه لا قدرة على انفكاك عنه فلا حمد لفاعله ، نبه