كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 138
على ذلك بقوله : ( ما لا يضره ) أي بوجه من الوجوه حتى ولا بقطع النفع إن كان يتصور منه .
ولما قدم الضر لأنه من الأعذار المقبوله في ارتكاب الخطأ ، أتبعه النفع قطعاً لكل مقال فقال : ( وما لا ينفعه ( بوجه من الوجوه ولا بترك الضر إن وجد منه ، ولو أسقطت ( ما ) من الثاني لظن أن الذم يشترط فيه انتفاء الضر والنفع معاً حتى أن من ادعى ما انتفى عنه أحدهما لم يذم ) ذلك ) أي الفعل الدال على أعظم السفه وهو دعاء شيء اتنتفى عنه القدرة على النفع ، أو شيء انتفى عنه القدرة على الضر ) هو ) أي وحده ) الضلال البعيد ( عن الحق والرشاد الذي أوصل إلى فياف مجاهل لا يتأتى الرجوع منها ، وذلك لأن الأول لو ترك عبادته ما قدر على منع إحسانه ، والثاني لو تقاداه ما وصل إلى نفعه ولا يترك ضره ، فعبادتهما عبث ، لأنه استوى فعلها وتركها .
ولما كان الإحسان جالباً للانسان ، من غير نظر إلى مورده ، لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها ، بين أن مل قيل في جانب النفع إنما هو على سبيل الفرض فقال : ( يدعوا ( ولما كان ما فرض أولاً فيما عبر عنه ب ( ما ) قد يكون غير عاقل ، فيكون ما صدر منه لعدمه العقل ، أزال هذا الإبهام بقوله : ( لمن ) أي زاعماً أن من ) ضره ( ولو بعبادته المجبة لأعظم الشقاء ) أقرب من نفعه ( الذي يتوقع منه - إله .
ولما كانت الولاية الكاملة لا تنبغي إلا لمن يكون توقع النفع منه والضر على حد سواء ، لقدرته على كل منهما باخياره ، وكان العشير لا يصلح إلا إن كان مأمون العاقبة ، وكان هذا المدعو إن نظر إليه في جانب الضر وجد غير قادر عليه ، أو في جانب النفع فكذلك ، وإن فرض توقع نفعه أو ضره كان خوف ضره أقرب من رجاء نفعه ، استحق غاية الذم : ( لبئس المولى ( لكونه ليس مرجو النفع كما هو مخشي الضر ) ولبئس العشير ( لكونه ليس مأمون الضر فهوو غير صالح لولاية ولا لعشرة بوجه .
ولما أفهم ما تقدم أن هذا الإله المدعو إليه قادر على كل من النفع والضر بالاختبار ، وأن تجويز الوقوع لكل منهما منه على حد سواء ، نبه على ذلك بقوله مستأنفاً : ( إن الله ) أي الحائز لجميع صفات الكمال المنزه عن جميع شوائب النقص ) يدخل الذين آمنوا ( برسله وما دعت إليه من شأنه ) وعملوا ( تصديقاً لإيمانهم ) الصالحات ( الخالصة الشاهدة بثباتهم في الإيمان بعد ما ضرهم في الدنيا بأنواع المعايب ، تطهيراً لهم مما اقترفوه من الزلات ، وأهوتهم إليه الهفوات ) جنات تجري من تحتها ) أي من أيّ مكان أردت من أرضها ) الأنهار ( ولما كان هذا أمراً باهراً دل على

الصفحة 138