كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 14
عليه قوله : ( وأنا اخترتك ) أي للنبوة ) فاستمع ( اي أنصت ملقياً سمعك معملاً قلبك للسماع ) لما ) أي اخترتك للذي ، وقدم استمع اهتماماً به ) يوحى ) أي يقال لك مني سراً مستوراً عن غيرك سماعه وإن كان في غاية الجهر ، كما يفعل الحبيب مع حبيبه من صيانة حديثهما عن ثالث بما يجعل له من الخلوة إعلاماً بعلو قدره وفخامة أمره ؛ ثم فسر الموحى بأول الواجبات وهو معرفة الله تعالى ؛ فقال مؤكداً لعظم الخبر وخروجه عن العادات : ( إنني أنا الله ( فذكر الاسم العلم لأن هذا مقامه إذ الأنسب للملطوف به - بعد التعرف إليه بالإكرام - الإقامة في مقام الجلال والجمال .
ولما كان هذا الاسم العلم جامعاً لجميع معاني الأسماء الحسنى التي علت عن أن يتصف بها أو بشيء منها حق الاتصاف غيره تعالى ، حسن تعقيبه بقوله : ( لا إله إلا أنا ( ولما تسبب عن ذلك وجوب غفراده بالعبادة ، قال : ( فاعبدني ) أي وحدي : ثم خص من بين العبادات معدن الأنس والخلوة ، زآية الخضوع والمراقبة وروح الدين فقال : ( وأقم الصلاة ) أي التي أضاعها خلوف السوء ، إشارة إلى أنها المقصود بالذات من الدين ، لأنها أعلى شرائعه لأنها حاملة على المراقبة ، بما فيها من دوام الذكر والإعراض عن كل سوء ، وذلك معنى ) لذكري ( وذلك أنسب الأشياء لمقام الجلال ، بل هي الجامعة لمظهري الجمال والجلال ؛ ثم علل الأمر بالعبادة بأنه لم يخلق الخلق سدى ، بل لا بد من إماتتهم ، ثم بعثهم لإظهار العظمة ونصب موازين العدل ، فقال مؤكداً لإنكارهم معبراً بما يدل على سهولة ذلك عليه جداً : ( إن الساعة ءاتية ) أي لاريب في إتيانها ، فهي أعظم باعث على الطاعة .
ولما كان بيان حقيقة الشيء مع إخفاء شخصه ووقته وجميع أحواله موجباً في الغالب لنسيانه والإعراض عنه ، فكان غير بعيد من إخفائه أصلاً ورأساً ، قال مشيراٍ إلى هذا المعنى : ( أكاد أخفيها ) أي أقرب من أن أجدد إخفاءها ، فلذا يكذب بها الكافر بلسانه والعاصي بعصيانه فالكافر لا يصدق بكونها والمؤمن لا يستعد غفلة عنها ، فراقبني فإن الأمر يكون بغتة ، ما من لحظة إلا وهي صالحة للترقب ؛ ثم بين سبب الإتيان بها بقوله : ( لتجزى ) أي بأيسر أمر وأنفذه ) كل نفس ( كائنة من كانت ) بما تسعى ) أي توجد من السعي في كل وقت كما يفعل من أمر ناساً بعمل من النظر في أعمالهم ومجازاة كل بما يستحق .
طه : ( 16 - 32 ) فلا يصدنك عنها. .. . .
) فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يمُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى

الصفحة 14